إذا وضعنا خطة محكمة للقضاء على الإرهاب بالمواصفات التي ذكرت ونفذناها بدقة سنقضي عليه
لا أدري إن كانت أمم الأرض ستصل إلى معنى أو مدلول، لهذه الكلمة التي دخلت إلى حياة البشر منذ قديم الزمان “الإرهاب” فهي من لغتنا كلمة أصيلة وردت حتى في كتاب ربنا حيث يقول الله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، والكلمة في أصل اشتقاقها في لغتنا تأتي بمعنى الخوف فيقال رهب يرهب رهبة ورهبًا أي خاف كما جاء في معجم الصحاح، ورجل رهبوت يقال: رهبوت خير من رحموت، أي لأن تُرهب خير من أن تُرحم، ولكنها أيضًا تأتي بمعنى التعبد ومنها الرهبانية في النصرانية.
فكل ما يثير الخوف والرعب عند الناس فهو إرهاب ولا شك، وقد يكون من الخوف ما يكون رادعًا لمن تسول له نفسه العدوان على الناس، لذلك شرع الله الجهاد وجعله فريضة على عباده يردون به العدوان، وأمرهم بإعداد القوة التي إذا عرف العدو أنهم يمتلكونها كف عن عدوانه عليهم، وحتمًا هذا الجهاد لإحقاق الحق لا للعدوان على الناس ولا لإدخالهم إلى الإسلام عنوة.
والله قد شرع في محكم كتابه لهذا الإرهاب -بمعنى العدوان بغير الحق- على العباد أقسى عقوبة شرعها الله في كتابه حيث قال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وبالعقوبة يردع كل مجرم تسول له نفسه أن ينهج نهج غيره من المجرمين السابقين، ولا يقضي على جريمة الجرائم إلا بعقوبة شرعها الله ليقضي عليها تمامًا، ولا يبقى ممن يقوم بها أحد إلا وقد نال أقسى العقوبة، فلا تسول لغيره النفسُ أن يرتكب ما ارتكب، ولو أن المسلمين عالجوا داء الإرهاب المسمى في عرف الشرع “حرابة”، لما رأينا من هؤلاء المجرمين من يقوم في أرضهم بهذه الجريمة فخير عقوبة ما شرع الله من العقوبات، فهو الخالق وهو الأدرى بمن خلق وما يردعهم عن رغباتهم الآثمة.
ولما ضعف أهل الإسلام فما أعدوا لمواجهة عدو الداخل والخارج العدة التي تكون رادعًا له إن يعتدى عليهم، ولم ينفذوا شرع الله فيهم، ازداد خطر هؤلاء وانتشروا في كثير من بلاد المسلمين، وأخطر الخطر أن يدعوا أن هذا الدين الحنيف هو ما يدعوهم إلى أفعالهم الشريرة، فحملوا المسلمين تبعات جرائمهم البشعة.
ولما كان أعظم الضرر هو ما نال المسلمين من هؤلاء، فإن الأولى بهم أن يتعاونوا فيما بينهم لمعالجة هذه المشكلة بما يقطع دابر المجرمين في ديارهم أولًا، فإذا قضي عليهم فيها فلن يجدوا منهم أحدًا يقوم بالإرهاب خارجها.
فالغرب وعلى رأسه دولته العظمى الولايات المتحدة الأمريكية قد هادنت الإرهاب ما دام بعيدًا عن ساحاتها، فجعلت ضرره مضاعفًا على المسلمين، وإذا عضها بنابه ضربته في أرضها حتى لا يعود له وجود، وليرحل خارج حدودها، فلو أرخنا لحوادث الإرهاب هذه منذ ظهورها في العصر الحديث لوجدنا أن ساحاته الرئيسة إنما هي دولنا العربية والمسلمة، وأن حدوثه خارج هذه الدائرة هو الاستثناء، حتى إن من شكو أنه مؤامرة غربية على المسلمين كانت لهم وجهة نظر تعتمد على مثل هذا، ذلك أن الغرب بما يمتلك من الإمكانات المخابراتية والأمنية يمكنه أن يقضي على هذه الآفة إن أراد وبأقصى سرعة، ولكنها ما دامت تهيء الساحة لمصالحه في الشرق فإن مواجهته لن تزيد عن ضربات جوية لا تقضي عليه، بل تمنحه فرصة أن يجد له بين المتضررين به أنصارًا.
ولهذا إن أردنا علاجًا حاسمًا لهذه الآفة، فلتكن مواجهتنا له الفكرية تناسب مواجهتنا الأمنية له، وليكن لنا من المراكز العلمية ما يصدر من الدراسات والأفلام والنشرات التي تبطل كل دعوى له بأن الإسلام يدعو إليه، أو أنه البديل لمظالم واستبداد تحدث في بعض الدول مما ينشره هؤلاء، فالقضاء على مبرراتهم يسبق القضاء عليهم أو يرافق أحداثها التي يجب أن تكون بقانون الشرع لا بغيره، ثم قوة المتابعة لجماعاته المختفية والبارزة، وحربها حربًا شديدة لا تبقي ولا تذر لجذورها أن تبقى على الأرض.
ومع المواجهة الفكرية والأمنية مواجهة تدعمها دراسات معلوماتية عن جذور الفكر الذي أنشأ جماعات الإرهاب المتطرفة، وأصول الأموال التي تدفقت على هذه الجماعات التي صنعت منها معارضة شديدة للحكومات والشعوب معًا، وما يتخذ لتنميتها من وسائل باتت اليوم معروفة في أموال تنمو في مزارع للمخدرات وتهريب للسلاح والبضائع الضارة.
وإذا حشدنا قوانا كلها لمجابة الخطر مخلصين فلا شك أبدًا أننا قادرون على أن ننهي هذه المشكلة سريعًا، شريطة ألا نكف حتى نقضي على هذه الجماعات المتطرفة قضاء مبرمًا، فما دام لها وجود في أرض المسلمين، فهي ستختفي إذا أحست بالخطر وتتوارى عن الأنظار لتعمل سرًا حتى تجد الفرصة للظهور مرة أخرى، ولهذا فالقضاء على الجذور مهم جدًا، فلن نستطيع بسواه أن ندرأ الخطر عنا، وسيحمد لنا العالم حينئذ فعلنا إذا قضينا على هذه الآفة الخطيرة، ولن نستطع حينئذ مهادنة الإرهاب لأنه لن يجد له جذورًا في أقطارنا أبدًا.
وإني على ثقة أننا إذا وضعنا خطة محكمة كهذه للقضاء على الإرهاب بالمواصفات التي ذكرت ونفذناها بدقة سنقضي عليه، فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.