الإنكار فيما اختلف فيه.. فتحٌ لباب الفتنة

من القواعد الفقهية المعتبرة ألا إنكار فيما ساغ فيه الاختلاف من مسائل العلم تعضدها قاعدة أخرى هي مراعاة الاختلاف، لتقرب وجهات النظر عند الاختلاف، فمسائل العلم العملية الفرعية يسوغ فيها الاختلاف عندما يكون فيها مدخل للاجتهاد، فمثلا حجاب المرأة المسلمة الذي يوجب عليها أن تغطي سائر جسدها بلباس صفيق سابغ ويغطي شعرها أمر متفق عليه بين جماهير أهل العلم، ويبقى وجهها وكفاها وظاهر قديمها اختلف عليها، هل يجب حجبها أم لا، وهل هي من الزينة الباطنة، أم لا، وذلك أن الأدلة لا نص فيها واضح لا معنى له سوى معنى واحد يلزم بتغطية هذه الأعضاء، فاختلف على تأويلها، والجمهور على أن الوجه والكفين ليسا من العورة الواجب سترها، فقول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) اختلف في تفسير الزينة التي إذا ظهرت عفي عنها، فقد قال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وجهها وكفاها والخاتم، وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن الجبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم، وقال أبوإسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبدالله قال: الزينة القرط والدملج والخلخال والقلادة، قال الإمام بن كثير في تفسيره (ويحتمل أن ابن عباس ومن تبعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبوداود في سننه عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: (أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه)، وفسروا قوله عز وجل: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، أنه يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء.
والمرأة المسلمة كالرجل في الصلاة يجب عليها ستر العورة، ولم يوجب الله عليها أن تخفي وجهها وكفيها أثناء الصلاة، وقد كانت النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، دون أن يكون بينهن وبين الرجال حائل من جدار أو ستار وقد ورد في السنة الكثير من الأحاديث تصف وجوه النساء، كتلك المرأة التي لما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، وقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله فقال: لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير، فقد وصف الراوي خديها، ولا يكون هذا إلا إذا كان قد رأى وجهها وكل محاولة لصرفه بالقول أنه حرف مغير في صحيح مسلم وأن القصد من سطة النساء هو سفلة النساء، هو لون هراء لا يلتفت إليه، وتلك المرأة التي وصفها الراوي بأنها وضيئة وكان الفضيل بن العباس رضي الله عنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان يصرف الرسول عليه الصلاة والسلام وجهه حتى لا يراها ويعود إلى النظر إليها، وكتب السادة الفقهاء في المذاهب الأربعة مليئة بالأحكام أن الوجه والكفين -وعند بعضهم وظاهر القدمين- من الزينة الظاهرة، والتي تنكشف عادة، بل وبعضهم يرى أن ما يرى منها إلى نصف الذراع، وبعضهم إلى ربع الساق، وكل طالب علم يعلم ذلك لا محالة خاصة من درس علم الخلاف وتمرس في كتبه، وحينما يشتد المحتسب على الناس خاصة في الحرمين الشريفين ويتابع النساء ويقف في المطاف متطلعًا إلى وجوههن مرددا غطي وجهك، فينشب الخلاف بينه وبين المعتمرين من كافة أقطارنا الإسلامية والتي تكشف فيها النساء وجوههن، ويثير الجدل في موضع يجب ألا يثار فيه جدل ولا مراء وكم سمعنا بسبب هذا ألوانًا من التراشق كرهناها، فحبذا لو ترك هذا الأمر ومن له رأي يخالف الجمهور فلينشره على الناس في كتاب يصدره أو مقال يكتبه وكفى، فهل نفعل؟ هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: