كلما استقر للمسلمين دولة ظهر هؤلاء لتضعف وتضمحل فهم لا يرون أن الإسلام ينتصر إلا إذا حكمه أمثال هؤلاء ممن لم يستطيعوا أن يحكموا جماعاتهم
إن من أشد البدع تأثيرًا سواء على بلداننا الإسلامية، هو ما نشأ في بعض نفوس مواطنيها من أن الإسلام لن يكون له نهضة إلا إذا نشأت فيه جماعات تنتسب إليه، وتعمل على أن يحكم الإسلام مجتمعها، وكانت أسبق هذه الجماعات هي من أسمت نفسها جماعة الإخوان المسلمين، والتي من مسماها تنطلق حقيقة أن من انتسب إليها هم الإخوان المسلمون، وأما من عداهم فليسوا كذلك، وينتظرون منهم أن ينضموا إليهم ليصبحوا لهم أخوانًا، بهذا تنطق أدبياتهم، فمرشدهم الأول قسم الناس إلى أقسام كلها خارج هذا الإخاء إلا واحدة من يقبل دعوتهم وينضم إليها، ويأتي بعده أبرزهم منظرهم الفكري، الذي سيطر على أفكار المنتمين إلى الجماعة ومن خرج من تحت عباءتها من الجماعات المتأسلمة الأخرى، خاصة منها من اتخذ العنف أسلوبًا لإقناع الناس بما يدعون إليه، وهو الأستاذ سيد قطب الذي لم يجد وسيلة للإحياء الإسلامي إلا أن تقوم به جماعة تعتزل الناس وتقوى بترابط أعضائها ولو حملت السلاح في مواجهة ما رآه ردة إلى الجاهلية، وهو ما بدأت هذه الجماعات تعتنقه، وتنفذه على أرض الواقع.
وتكاثرت هذه الجماعات حتى كادت أن تكون سرطانًا يسري في جسد الأمة، ويلتحق بها من صغار السن من لم ينضج عقله بعد، أو ذاك البسيط الذي أقرب ما يكون إلى العامي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهم الخامات الأولى التي تتكون منها هذه الجماعات، وتتكون القيادة من ذوي المصالح الساعين إلى أن يجدوا لهم مكانًا تحت الشمس لم تسعفهم قدراتهم الخاصة على الحصول عليها، فظنوا أن الطريق إلى ذلك فكر تشدد وغلو ينتج عنه في ظنهم الوصول إلى الحكم للتحكم عن طريقه في حياة الشعوب الإسلامية وفق ما رسم هؤلاء لأنفسهم من حياة، مع غض النظر إن كانت توافق منهج الإسلام حقيقة أم أنها بعيدة عنه كل البعد.
ومن عرف هذا الدين الحنيف لن يجد فيه لهذه الجماعات أثرًا في تاريخ المسلمين إلا ذاك الأثر بالغ السوء جدًا، والذي كان في عهد عمَّ فيه النور أرجاء البسيطة، ببعثة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عهد خلفائه الراشدين، يوم ظهر أسوأ فرقة بين المسلمين فرقة الخوارج، والتي أسست لهؤلاء الطريق، فلن ينتصر الإسلام إلا بجماعة قوية تفرضه على الناس فرضًا وبقسوة، وكلما استقر للمسلمين دولة ظهر هؤلاء لتضعف وتضمحل فهم لا يرون أن الإسلام ينتصر إلا إذا حكمه أمثال هؤلاء ممن لم يستطيعوا أن يحكموا جماعاتهم، فتسلل منها الكثيرون ممن لم يرضوا بمظالمها، فهم لم يعرفوا من الإسلام إلا السمع والطاعة لمرشدي جماعاتهم أو رؤسائها، وكثير منهم لا يستحق أن يكون رئيسًا لقطيع من الأغنام، فالحيوانات هي من تسيرها العصا أما البشر فلا إنما يحكم فيهم قانون مشرع يساوي بينهم ويحكم بينهم بالعدل، وهو ما لا يعرفه هؤلاء وما أوتوا من العلم إلا قشورًا، فأنت ترى في هذه الجماعات العامة، والمتخصصين في كل علم إلا العلم الشرعي، وندر بينهم المتخصص فيه إلا أن يكون صاحب هوى، يريد أن يحقق لنفسه ما يعجز أن يحققه بعلمه، فصاحب العلم لا يخدع عن دينه، فيغلو في أحكامه ويتشدد ليجبر الناس على ما يقول خوفًا منه لا اقتناعًا.
ورغم أن جماعتهم الأولى فشلت في دعواها، إلا أن بقاياها التي استمرت تعمل سرًا، وتنتظر الفرصة السانحة حينما تضعف الدول فتظهر لتقفز على الحكم ولا تنجح فتعود إلى العمل سرًا وهكذا.
والمسلمون لا يستطيعون قتل الناس ولو أوغلوا في الغلو والتشدد، فما عرفوا في دينهم ما يسمى المذابح البشرية أو الاستئصال، فما أن يتراجع هؤلاء إلا وكف المسلمون عنهم، ولكنهم لا يكفون عن الظهور حينًا بعد حين، ويكافحهم المسلمون عبر الزمان، إلا أن جاء هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي ضعف فيه علم الدين، فتجرأ على الانتساب إليه ممن لا يمكن بحال أن يشتغل به وفي الأرض علماء مخلصون يكفون أهل الجهل عن حياضه، فازداد نفوذ هذه الجماعات فزعموا أنهم أهل الدين وأهل العلم به، ونشروا بين الناس أن هذا هو الحق حتى أصبح نقدهم يعرض صاحبه لسفهاء العامة يذمونه ويؤذونه، حتى وجدنا من عامة الناس من يعتبر جهلة هذه الجماعات وما يقومون به من أعمال شنيعة علماء، وإذا ألصقت بالإسلام أصبح في العالم كله مستهدفًا على أساس أنه يحث على العنف والقتل وتشويه جثث القتلى، وما تقوم به داعش اليوم مثال صارخ لما يقوم به هؤلاء من الأفعال القبيحة والتي خططوا لها ليشوهوا هذا الدين، فهم يتحدثون باسمه، ويرى الناس أن بيننا من يعجب بما يقومون به، وهو ما تكرر اليوم وكان من قبل لجماعة أخرى هي القاعدة، وهذه الجماعات كلها تعتبر وللأسف أنهم هم التيار الإسلامي، يتعاونون في الخفاء، ويساند بعضهم بعضًا، وهم في الظاهر ينشرون أنهم متعادون، لا يقبل بعضهم بعضًا.
والدليل واضح للعيان فحين سعى الإخوان لحكم مصر ضموا إلى صفوفهم كل هذه الجماعات تعينهم وتساندهم، وكانوا معهم في كل خلاف لهم مع الشعب المصري وهم يقومون بالإرهاب اليوم على الأرض المصرية معهم وينوبون عنهم حين غيابهم، ويشيعون أن من يختلف معهم هو عدو للإسلام، وكان منهاج هؤلاء الإسلام وهي تناقض أحكام الإسلام ومقاصده، يحكم بذلك من له أقل اطلاع على أحكام هذا الدين، فليس فيما يدعو إليه هؤلاء شيء يخدم الإسلام أو المسلمين وإنما هو ما يخدم مصالح هذه الجماعات، التي تتعاون اليوم وغدًا تتناحر حتمًا لأنه لا مبادئ لها، حمانا الله من شرورها ورد كيدها في نحور أهلها إنه السميع المجيب للدعاء.