إن منح جنسية بلد ما، لمن هو ليس من مواليدها، ولم يحصل على جنسيتها بالولادة، يستند على قواعد قانونية ودستورية في مختلف دول العالم، ولن تجد دولة واحدة ليس لديها من هذه القواعد شيء، وكل دول العالم لديها من مواطنيها من هم قد وُلدوا على أرضها، وهم الغالب، وكثيرون غيرهم ممَّن هاجروا إليها أو اكتسبوا جنسيتها، إما لحاجتها إليهم، وإما لأنهم دفعتهم الهجرات البشرية التي لم تنقطع في كل بلدان العالم قديماً وحديثاً وحتى هذه اللحظة إليها، وبعض البلاد لقلة السكان فيها كانت تعلن عن قبولها لهجرات من أقطار العالم، ترحب بهم، ليكونوا لها مواطنين، وكان لهم عظيم الأثر في بناء حضاراتها، والولايات المتحدة الأمريكية مثال حي لبلد بناه المهاجرون إليه من شتى أرجاء العالم، وكذلك كندا وغيرها من بلدان العالم، ولا أعرف بلداً في العالم لم تدخله هجرات أو لم تخرج منه هجرات إلى غيره من بلدان العالم. والجزيرة العربية مدت أقطاراً كثيرة بهجراتٍ متلاحقة منها عبر الزمن حتى غلبوا على سكانها، وأصبحت بعد ذلك دولاً عربية رغم أن أصولها مختلفة، ولكن الدين واللغة صهرتهم حتى أصبحوا عرباً، ولم يعد مجدياً أن يبحث لهم عن أصولٍ أخرى، وفي الجزيرة العربية اليوم أقطارعدة كلها دخلتها هجرات من الدول الأخرى وانصهروا بين مواطنيها، وأصبحوا جزءاً منهم، ولا أحد يفكر اليوم أنهم غير مواطنين، وفي المملكة مدينتان مقدستان تهفو إليهما قلوب المسلمين كافة، وعبر الزمن رحل إليهما من سائر مدن العالم الإسلامي الذي كان دولة واحدة، وجاوروا فيها الحرمين، ثم مع مضي الزمن؛ أصبحوا جزءاً أصيلاً من سكانهما، وذلك أن الإسلام لا يعرف عنصرية دم أو انتساب إلى قبيلة، أو صفاء عرق، مما تعلَّق به البشر، وظهرت بسبب ذلك عنصرية بغيضة كانت -في حين- سبباً في دمارٍ وحروب، ولا ميزة فيه لأحد على الآخر إلا بالتقوى، وهي معنى لا انتماء فيه إلى بشر. وأستغرب اليوم أن يتحدث أحد في بلادنا بعداءٍ لأُناسٍ هاجروا إلينا وأصبحوا منّا عبر الزمن، أو حتى أقاموا في بلادنا ثم مُنحوا جنسيتها، وأن تجري على الألسنة عبارات يُؤاخَذ عليها شرعاً وعقلاً، ولعل كل متكلم يراجع نفسه قبل أن ينطق بما يُدينه شرعاً وقانوناً.. هذا ما أرجوه، والله ولي التوفيق.
معلومات التواصل:
ص.ب: 35485 جدة 21488
فاكس: 6407043
إيميل: [email protected]