التعالم مصطلح أطلقه العلماء على فعل أدعياء العلم، وهم أصناف كثيرة لعل أهمهم من ليس له من العلوم إلا قشور لا تغني ولا تسمن من جوع، يوظف مواهبه من لا يريد للإسلام خيراً، فيسعى إلى تلميعه وإضفاء الألقاب عليه، حتى إذا أراد تشويه الدين، دفع به إلى مراكز يثق المسلمون بأصحابها، ليبدأ في نشر أفكار بين الناس إن نجح في نشرها شوهت الدين، وأحلت معها أفكارًا ظل الإسلام يحاربها على مدى تاريخه الطويل، فتكفير المسلم الذي هو الأشبه بقتله بنشر فكر له إذا آمن الناس به أصبح إزهاق الأرواح جهاداً، والحصول على أموال المسلمين غنائم مشروعة، والاعتداء على أعراضهم واستحلالها أمراً مباحاً يخدم الدين، وفرق الخوارج التي استمرت في الظهور في ديار الإسلام عبر التاريخ نموذج صارخ لهذا التعالم الذي ينتشر بين الحين والآخر في أرض الإسلام ليأتي على الأخضر واليابس، واستمر الخروج على المسلمين عبر هذا التعالم حتى يوم الناس هذا، ولعل من ألوانه المستقبحة الشديدة الخطر ما نراه من الجماعات المتأسلمة اليوم، التي لا همَّ لها إلا أن تعيث في أرض المسلمين فساداً .. أوضح النماذج لهذا التعالم العظيم الخطر على المسلمين، فهذه الجماعات جلها لا يعني أفرادها تحصيل العلم الشرعي الحقيقي، وإنما تسمع لقادتها، الذين لا يهمهم من العلم إلا قشور تحث على القتال يتأولونها بما يجعلها تدل على جهاد حوّروه إلى قتال لكل من يختلفون معه، وإن كان من أفضل علماء الأمة خشية لله وأوسعهم علما وخيرهم عملا، ما داموا يبينون للناس حقيقة الجهاد ومتى يكون وبما يكون في شتى الأوضاع والحالات، لأنهم لا يرون جهادا إلا قتل المسلم المخالف لهم، حتى وإن ادعوا أنهم موافقون له في المذهب، وأما أهل القبلة فلا يعنيهم أمرهم أصلا، يشنعون على بعضهم ويشنون عليهم حروبا متلاحقة، والغاية والقصد إخضاعهم لسلطتهم وتملك أموالهم، وقتل من لم يرض الخضوع لهم أيا كان مذهبه أو طائفته، تلك هي غايتهم ومقصدهم، وأما نصرة الدين فهي أمر لم يسعوا إليه أبدا، بدليل أنهم ما قاتلوا قط سوى المسلمين، ولا رفعوا سلاحهم في وجه غيرهم ممن أظهر العداء للاسلام أو المسلمين قط، ولا في ماضي جماعتهم والتي بعضها ما شهر السلاح إلا في وجه المسلمين وقتل منهم الآلاف المؤلفة بدعوى أنهم عادوا إلى الجاهلية وتركوا الإسلام، رغم علمهم أنهم يقاتلون مسالمين موحدين تمتلئ في أرضهم المساجد بالعباد الاتقياء وللأولياء الصالحين، فلما تم لهم ما أرادوا، عادوا يسيرون على سنة وسيرة من قاتلوهم، ذلك أن الاسلام لا يتغير بتغير المقاصد الدنيوية، واليوم يحتشد أقوام ممن أضلهم الله يقاتلون المسلمين في شتى ديارهم، بنفس الحجة وهم على يقين أن من يقاتلونهم أولى بالاسلام منهم، وأحسن فهما منهم له، وما هذه الجماعة المتطرفة المتأسلمة اليوم إلا النموذج الأوفي لهؤلاء، تتغير مسميات جماعاتهم التي تعددت وتلونت، وإن اجتمعوا على غاية واحدة، وأن يحققوا مصالحهم الدنيوية الدنيئة بقتل المسلمين وتدمير أوطانهم واستحلال حرماتهم وأموالهم، أما الاسلام فهو في معزل عنهم، لا يعنيهم من أمره شيء البتة، ويدل على ذلك أنهم لا يقاتلون إلا اتباعه، أما أعداؤهم فهم منهم سالمون أبدًا، هكذا هم الأتباع لخوارج الماضي، يسيرون خلفهم حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخوله، وقد أمر الله بقتالهم وضمن لنا دخول الجنة إن قاتلناهم حتى يأمن المؤمنون من شرهم، ولعلنا بهذا فاعلون، فهو ما نرجو.. والله ولي التوفيق.