كلما ران على البشرية سكون وجمود قد يؤدي إلى تأخرها كانت الحاجة أمس إلى هذا التغيير
حينما تجمد الحياة على أساليب تحركها أيديولوجيات بشرية ترتضي أوضاعاً مع مضي الزمان تقف في وجه أي تغيير نحو الأفضل من أساليب العمل والسلوك التي تزيل آثار الجمود والسكون، تحدث ولاشك ثورة ضد تلك الأوضاع والأساليب التي أدت إلى جمود الحياة في أي مجتمع بشري، وهذا ما حدث حينما بعث الله رسوله المصطفى سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، حينما جمدت الحياة البشرية وفق أيديولوجيات وأفكار بشرية صنعت جموداً نشر ظلاماً في سائر أرجاء العالم آنذاك، فكان الإسلام ثورة على هذه الأوضاع وتغييرا لازماً لإزالة هذا الجمود عن البشرية، ولم يكتف بأن يكون التغيير مفروضاً من الأعلى، بل طالب أن يكون غاية من داخل النفس البشرية، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فخاطب النفوس لترتقي وتبحث عن الأفضل فتحقق التغيير، وخطت الإنسانية إلى حياة أفضل، فكانت سنة التغيير وسيلة الرقي بحياة البشر إلى الأفضل من أوضاعها، وكلما ران على البشرية سكون وجمود قد يؤدي إلى تأخرها كانت الحاجة أمس إلى هذا التغيير، والسعي إلى تحقيقه جهاد يجب أن يبذله البشر لتحقيق حياة لهم أرقى، والحضارة المعاصرة أدركت هذه الحقيقة وغيرت في كثير من بلدان العالم الحياة إلى الأفضل، بمجرد أن شعر أهلها أن الحياة جمدت في بلدانها، وفرض عليها نوع من الركود أدى إلى تخلفها، وصلة هذا بالإبداع واضحة، فغيابه عن أي مجتمع يجعله يستمر في الجمود والركود، وشيوعه في مجتمع آخر يسرع به إلى إحداث التغيير المطلوب، وتراجع الحالة الإسلامية وعمل أيديولوجيات بشرية حدثت بعد ثورة الإسلام الأولى وتحكمها بالمجتمعات المسلمة في معظم الأقطار أدى إلى شيوع ركود وسكون، أوجد أوضاعاً مضادة لأي تغيير، فاختير من الأنظمة السياسية أردأها، غاب عنها تداول السلطة وضخ الدماء الجديدة في الجهاز السياسي الحاكم في تلك البلدان، فطال الأمد على من يتولون السلطات بجميع أنواعها تشريعية أو تنفيذية بيدها سلطة تنفيذ الأحكام وإيصال الحقوق إلى أهلها، أو سلطة قضاء تتولى الحكم بين الخصوم، فترى المناصب –هناك- لا يتغير من يشغلها إلا أن وافته المنية، أو وصل للحد من السن الذي لا يستطيع معه أداء أي عمل، مما يجعل الموظف العام الذي يتولى منصباً مهماً يفقد حماسه للعمل المبدع ويعتبر المنصب حقاً له لن يغادره حتى ولو ساء عمله، وقد لا تنكشف للناس أخطاؤه الفادحة إلا بعد أن يلقى ربه، وهذا ما يجعل بين الموظفين اتحاداً في رفض أي تغيير ينال مناصبهم، فينشأ من خلال هذا عصبية وظيفية، وضبط تولى المناصب بمدة زمنية محددة يتخلى بعدها الموظف عن المنصب ليتولاه بعده المؤهل لذلك ليجدد العمل ويبذل جهداً أكبر في تحقيق غايات المنصب، فلا تصبح المناصب ملكاً للأفراد حتى يصل الأمر أن يرث الابن منصب أبيه، وأن يتم اختيار الفرد للمنصب حسب معايير تراعي الكفاءة والقدرة على النهوض بأداء الأعمال المنوطة به باستقلال تام وبغير توجيه يتحكم فيه، ويحاسب على الأداء وكما ترصد إيجابياته ترصد أخطاؤه، فإذا شعر الموظف أنه سيترك هذا المنصب بعد مدة محددة، جوّد عمله وأبدع فيه ليتأهل لمنصب أعلى يناسب مؤهلاته وخبراته، ثم أن يصاحب هذا محاسبة حقيقية لمن يلي منصبا أعلى كما يحاسب الموظف الأدنى، ويخضع الجميع للعقوبة إذا أخطأ، ويكافأ إذا أحسن وأدى الأداء الأمثل، وتأتي بعد هذا مراجعة النظم المعمول بها في الدول الإسلامية والتي طال عليها الزمن ولم تعد تواجه مشكلات الحاضر، خاصة منها ما يتعلق بالأموال العامة والمحاسبة على إهدارها أو اختلاسها، ولتحصر الأموال العامة لتنفق على مشاريع النهضة بالحياة في الأوطان، التي يسعى إليها التغيير المطلوب للرقي بالحياة في الأوطان العربية والإسلامية، فإن في هذا إطلاق عمل جاد ينهض بالأوطان، ويقدم للعالم أجمع أننا أمة حية لها دين يقودها إلى الحياة الأفضل، فهل نرى هذا يتحقق في سائر البلدان المسلمة، هو ما نرجو والله ولي التوفيق.