الحج موسم يتكرر كل عام في بلد حكومته وأهله يعتبرون أن مهمتهم التي يعشقونها إنجاح هذا الموسم، وصونه من الحوادث ومن كل ما قد يعكر صفوه، فهم يرددون دوماً خدمة الحجاج شرف لهم، لإحساسهم أن الله أكرمهم فاختارهم لهذه المهمة التي هي في غاية الشرف، فأهل هذا الوطن على مدى الزمان يقدمون لمن يقدم إليهم كل عام لأداء المناسك كل ما يستطيعون من الخدمات وعلى أرقى مستوى، وكلهم رضاً عما قدموا وسيقدمون، وكلما استجد في العالم أسلوب لإدارة الحشود البشرية اطلعوا عليه، وما كان منه ممكن التطبيق في المشاعر المقدسة استعملوه، وهذا أمر مضى عليه من الزمان ما هو عمر هذا الدين الحنيف، تتوارثه أجيالهم جيلاً بعد جيل، ويظلون هم وهم فقط الأقدر على إدارة هذا الموسم باقتدار للخبرة المتراكمة من تجاربهم على مر الزمان، وقد قدم هذا الوطن من ماله وجهد رجاله ما يعلمه الجميع من أجل الرقي بخدمات الحجيج كل عام، ولم يطالبوهم قط بثمن لهذه الخدمات، وإن الزائر للمدينتين المقدستين سيفاجأ بهذه المشاريع الضخمة فيهما، والتي لا غرض لها سوى خدمة الحجيج، حتى أن هذه المشاريع قد جعلت سكان المدينتين ينتقلون من أماكن كانوا يحبون الإقامة فيها إلى أماكن بعيدة برضا، لأنهم يرون أن هذا قدر لهم ماداموا من أهل هذا الوطن الأغلى بين أوطان المسلمين، والذي خصه الله عز وجل بأن يكون موطن أهم مقدسات المسلمين، وهم يعلمون أن جل إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يقدرون لهم ما يقدمون لهم من خدمات، وإن وقع في الموسم رغماً عنهم بعض الأحداث التي حتماً لا يد لهم فيها، بل قد بذلوا من الجهد الكثير ليخففوا من آثارها، وبعض إخوانهم المسلمين شركاء لهم في أسباب ما يقع من أحداث في الحج، لغياب الوعي أحياناً، ولجهل بعضهم أحياناً.
وقد لا يستبعد في بعض الأحيان التعمد للإساءة إلى هذا الوطن وأهله، في عصر كثرت فيه حوادث العنف من كل لون، وها هي الفئات المجرمة تعيث في أرض المسلمين فساداً لمرض نفوس أمارة بالسوء، وكما هم أهل هذه البلاد يحرصون على مشاعر إخوانهم فلا يعلنون اتهام أحد، لأنهم دعاة حب لا كراهية، يريدون أن يجمعوا إخوانهم المسلمين على الألفة والمودة، لا على البغضاء والتناحر، هذا ديدنهم دائماً يريدون للمسلمين أن يعتصموا بحبل الله لا أن يتفرقوا، وحينما يجدون بعضاً من المسلمين ينتهز فرصة حدث ليثير شغباً، يواجهون شغبه بكل الحكمة والهدوء حفاظاً على المسلمين، وإن تأثروا أشد التأثر لمثل هذه الأصوات النافرة حين وقوع الأحداث، والتي لا حظ لها سوى أن تكشف عن سوءاتها، التي يدركها المسلمون على مر الزمان.
وسيظل موسم الحج بإذن الله آمنا لما يُبذل من جهد للقيام بشؤونه وإدارته على أفضل المستويات، وسيجد المسلمون في كل عام في المدينتين المقدستين ما يثلج صدورهم، ويجعل حجهم سهلاً وميسوراً، وسيلمسون دوماً ما يقوم به إخوانهم في هذه البلاد من خدماتٍ جليلة لهم، لا يدفعهم إلى تقديمها إلا أنهم بها يطلبون رضا ربهم، ثم يسعدون إخوانهم بها دون منٍّ أو أذى، ودون افتخار بما يقدمون، لأنهم يرونه واجباً عليهم يجب الوفاء به، ولن يلتفتوا إلى مزايدات ومناكفات لا تصدر إلا عن مرضى الصدور والنفوس، فاللهم سلّم كل عام حجاج بيتك وسلّمنا معهم، فما نحن وهم إلا أخوة مُتحابون يجمعنا هذا الدين الحنيف، ونبقى كذلك على مر الزمان، وكل من لا يُرضيه ذلك سيعرف الناس شرّه ويجتنبونه، ونحن من أول مَن يجتنبون الشر وأهله، والله الموفق والهادي إلى خير السبيل.