فيما يظهر أن الحروب التقليدية بين الجيوش تتراجع، حتى يأتي زمان لا نراها تحدث، حتى بين الدول، فكل دولة تريد أن تصفي خصومة بينها وبين دولة أخرى تعتبرها عدوة لها. تغري بها بعض هذه الجماعات المتطرفة، التي أصبحت أفعالها من القسوة بلغت أقصى مما تبلغه أي حرب أخرى، مثل ما رأينا هذا العام على يد خبثاء داعش، الذين تدنوا إلى الدرجة التي شابهوا فيها الحيوانات، فلم يرعوا إلاًّ ولا ذمة لأحد مسلماً كان أم غير مسلم، غايتهم نشر الرعب، ليصلوا إلى مبتغاهم، ومبتغى من نظّر لهم ومن موّل، ومن وجد فيما يفعلون تحقيقاً لمصالحه.
وهذا اللون من الإرهاب إذا أهمل اشتد عوده، وقد يصل إلى أن تكون له دولة يعترف بها الناس دفعاً لشرها، ولا أظن فعلاً سيحقق هذا إلا هذا التباطؤ في مواجهة هذه الجماعات غير الإنسانية التي تحترف أبشع الجرائم، ولا أظن أن أحداً في منطقتنا آمن ألا تصل إليه يد هذا الإرهاب البشع.
ولعل هذه الجماعات المتطرفة والتي تصدر عن منبع واحد، وتتعدد الأسماء والأوصاف والفعل في جوهره واحد، وإن كان هناك فعلاً وعد بنشر فوضى في أقطارنا سمّوها خلاقة، ورأينا لها صوراً بعد أحداث ما سمي الربيع العربي، فهي من ينشرها في جميع أقطار العرب والمسلمين، حتى لا يبقى قطر واحد إلا وذاق مرارتها.
ودون أن نحمل أحداً ما يجري اليوم، إلا أننا جميعاً ندرك أن الوضع إذا استمر فالمستهدف عنه ديننا أولا ثم سلامة أقطارنا وأمنها واستقرارها، وأن المستفيد من ذلك عدو لنا ولاشك سواء أكان غربياً أم شرقياً.
وهذا هو ما يحتم علينا مواجهة هذه الهجمة الإرهابية والمخطط لها ولا شك، فليس هذا فعل مراهقين هواة، أو كما يزعم البعض مجاهدين من طلاب العلم أخطأوا الطريق، بل هو تخطيط عقول تدفع أوطاننا إلى ما لا يحمد عقباه.
وهذا ما يلزمنا لوضع خطة حرب دقيقة إذا نفذت لم يبق لهذه الهجمة وجود في ديارنا وحولها أصلاً، خطة حربية حقيقية تحارب هذه الفئة الخسيسة بكل أدوات الحرب المعروفة، بالسلاح الذي يدمرها حق لا يبقى لها أثر على هذه الأرض، فهي لو أتيح لها أن تدمرنا لفعلت، نلحظ هذا من أفعالها القبيحة الشريرة، والتي لها اليوم النماذج المنتشرة في العراق وسوريا وليبيا ومن قبل في أفغانستان، وقد تصل اليمن مع ما فيه من نماذجها الكثير.
وهذه الحرب ضرورة من أجل حماية ديننا ممن يتربص به الدوائر، متخذاً فعل هذه الجماعات سبباً للنيل منه ومنا، وحتى لا يفلح في ذلك فلنخض هذه الحرب بلا هوادة حتى نقضي على خطرها كلياً، فلعل هذا ما ابتلى الله به عباده لينهضوا به ويؤجروا عظيم الأجر أجر الجهاد في سبيله.
ثم لا بد من الحرب الفكرية التي يجب أن نخطط لها تخطيطاً علمياً يمحو آثار أفكار هذه الجماعات من رؤوس كثير ممن يستعدون للحاق بها، ولن يتم لنا ذلك إلا أن نعترف بوجود ما يؤيد أفكارهم في إرثنا الديني والاجتماعي، وأن ندعو لذلك العلماء بحسب تنوعاتهم واختلاف مذاهبهم ومشاربهم، ثم علماء الاجتماع والنفس، وكل ذي فكر يمكن أن ينتفع بفكره وألا نظل ننتدب لهذا فئة مخصوصة قد فشلت في المواجهة، وعلمنا أنها لا تستطيعها، فهل نفعل؟ هو ما أرجو والله ولي التوفيق.