لاشك أن الإنسان يتطلع إلى تغيير نمط الحياة، إذا كانت هذه الحياة فيها الشدة والغلظة، وضيق الرزق، فإذا كان مع هذا مظالم تتراكم كانت رغبته إلى الانعتاق من هذه الحياة، هي الأولى عنده والأجدر أن يعمل لها، ولعله لا يستطيع تحقيق هذا الانعتاق بالثورة عليه، والانضمام إلى جموع تتدفق إلى الشوارع، تدعو لتغيير حياتها بالقوة، فلا تجد أمامها سبيلاً إلا ما يُسمِّيه الناس المعارضة. وفي غير البلدان العربية أمامها سبيل عبر نظام أسموه ديمقراطياً، عبر دساتير، حددت أساليب الحكم والمعارضة له، وفق ضوابط وروابط، فجعلوا الحكم عبر أحزاب، يصل إلى الحكم منها ما اقتنع الشعب -كما يزعمون- بأفكارهِ وأساليبه، ثم تتداول الأحزاب الحكم فيما بينها، كُلٌّ يسعى لمعارضة الحزب الآخر إذا حكم حتى يُسقطه، ثم يحل محله، ورأينا مثلاً كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، الحكم ينحصر في حزبين اثنين، الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، يتداولان الحكم عبر السنين، وتتضح للناس معايب كل منهما، ولا تتغير عبر الزمن، رغم ما يلحظه المجتمع الأمريكي من معايب كل منهما، مما يعني أنهما توارثا الحكم في الولايات المتحدة، ولم يتغير الوضع عن هذا عبر الزمن. وها نحن نرى أشد الصراع بين هذين الحزبين يحدث منذ أن تولى الرئيس الأمريكي ترمب الحكم، ولا أحد من الأمريكيين يزعم أن الحزب الجمهوري هو الأفضل، كما ألا أحد يجزم بأن الحزب الديمقراطي هو الأفضل، وظني أن الأمر سينتهي كما انتهى حكم الديمقراطيين من قبل، فها هم الديمقراطيون في الانتخابات النصفية يستحوذون على مجلس النواب، والجمهوريون على مجلس الشيوخ، وسيستمر النزاع الذي يُعطِّل الإدارات الفيدرالية زمناً بعدم اعتماد ميزانيات لها، وحتى يأتي زمن الانتخاب الرئاسي مرة أخرى. ولاشك أن هذا النظام معيب، حتى وإن اعتز به الحزبان القويان، فهما في حالة أضعف من بعضهما، وهذا النظام الديمقراطي رغم أن له جوانب مضيئة أحياناً، إلا أن الجوانب المظلمة منه تفتك بالمجتمعات الغربية، فها هو الرئيس الفرنسي لا يستطيع اتخاذ قرار ما استمرت مظاهرات الستر الصفراء، وهناك في بريطانيا حكومة عاجزة عن أن تصل إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لخروج بريطانيا منه دون خسائر، والأحزاب البريطانية عاجزة -خاصة الحزبين الرئيسين العمال والمحافظين- عن أن تحدث تطوراً في القضية ينهي أزمة المملكة المتحدة، وأظن أن النظام الديمقراطي ينهار في كثير من دول الغرب، بل في أعظم دوله، وسنبقى نحن بعيدا عن ذلك، فنحن أمة تحكمها أنظمة تسير وفق قيم الإسلام ونظامها ثابتٌ مضى عليه أكثر من 1400 سنة.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …