لا أحد في زماننا هذا يعتقد أنّ كل الناس قادرون على أن يدفعوا تكلفة علاجهم عندما يصابون بأمراض عادية، فكيف إذا كانت أمراضهم خطيرة، وحتّى في بلاد كبلادنا يصدف هذا، فالفقر والغنى موجودان في كل أرجاء الدنيا حتَّى في أكثر دول العالم غنى ورفاهيَّة، ولهذا ففي جل دول العالم علاج المرضى لفئة من الشعب يجب أن يبقى مجانيًّا، إلاَّ إن كان لدى أحد فكرة في أن يقضي على غير القادرين ماديًّا حتَّى يتخلَّص منهم، ومعلوم بداهة أن غلاء العلاج الطبي كشفًا، وأدويةً، وإقامة في المستشفيات في هذا العصر لا يستطيعه حتَّى مَن نسمِّيهم اليوم الطبقة الوسطى، التي هي -وللأسف- في جل بلداننا العربية في تآكل مستمر، إن لم أقل إنَّها مقبلة على الانقراض تمامًا، فلتحيا في هذا السعر براحة تامَّة لابدّ وأن تكون ثريًّا، فالأسعار في ارتفاع مستمر، والدخول في تضاؤل مهما كانت الزيادات بفعل التضخم، وأسباب أخرى بعضها من صنع الفساد، وفي زيارة للمستشفى الحكومي الذي أراجعه دومًا، والذي أصبح في هذا العام يعتذر لنقص بعض الأدوية فيه، ويطلب من مرضاه الانتظار أسبوعًا، أو أسبوعين، أو ثلاثة ليصرفها لهم، رأيت مسنًّا مثلي يتبرَّم ضيقًا من ذلك، وهو يعاني من مرض قلبي عضال، ويشكو كيف لمثلي أن يشتري هذا الدواء حتَّى لا يختلَّ نظام علاجه، ويقسم بالله ألَّيس لديه ثمن ما هو أدنى من ثمنه بكثير، ولا أظنَّه إلاَّ صادقًا، ومثله في حاجة للعون الدائم، فبدخله الضئيل، ومرتبات اثنين من أولاده، لا يستطيع أن يوفر لنفسه العلاج، ولولا هذه المستشفيات الحكوميَّة لتعرَّضت حياته للخطر، وتحسين الخدمة الطبيَّة لهؤلاء لا أظنُّها تعجز وزارة الصحة، وكل وزارة تقدم خدمة طبيَّة لموظفيها، وذويهم بالصورة التي تقضي على شكواهم، وتقدم لهم العلاج في أصعب الظروف التي يمرون بها، ورغم الشكوى المستمرة من المستشفيات العامَّة بالخصوص، فإننا نتفاءل أنَّنا الآن سنقضي على مثل هذه الشكوى بسهولة، بإنفاق كفيل بإخفائها، ورقابة حازمة على إدارة المستشفيات، بحيث لا يمكن أن يتسرَّب إليها إهمال أو فساد، ومعاقبة المهمل والفاسد العقوبة الرادعة، وبهذا نجد لهؤلاء ما يسعفهم ما بقوا على قيد الحياة بالعلاج دون أن يُهانوا.. فهل نفعل؟ هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق.