الرجولة لها معنى يغيب عن الكثيرين

مما لاشك فيه أن الرجولة لا تعني الذكورة فقط، وما يشير إليها من علامات أو سن بلوغ، إنما الرجولة معنى قد لا يدركه الكثيرون، فهذا المعنى مرتبط بعلاقة وثيقة بالأخلاق والسلوك.
فالرجولة عماد الخلق الفاضل، التي يتمتع به الرجال العظماء، والذي يقودهم إلى السلوك الأعظم حسناً، فسلوك عارٍ عن خلق إنما هو الشر ذاته.
فلا رجولة إلا مع الصدق والأمانة وحمل المسؤولية، والوفاء الذي لا تستقيم علاقة بين البشر دونه.
فالصدق أعظم الأخلاق الفاضلة أثراً، ينجي الله به العباد من المهالك ويؤتيه من عباده أفاضلهم، وهو صدق في القول، وصدق في المواقف، وصدق في الفعل، وبه يعرف الرجل العظيم، من ذاك الدنيء الذي ديدنه الكذب.
والأمانة خلق الرجل الفاضل، أمانة في القول، وأمانة في الفعل، وفي المواقف، تطابق تام بين الصدق والأمانة.
وهما – الصدق والأمانة – يؤديان إلى تحمل المسؤولية، والرجولة أن يتحمل الإنسان المسؤولية عن نفسه ومسؤولية عمن يعول، ومسؤولية يتحملها حتى عن جاره وصديقه، ومسؤولية أعظم تجاه وطنه.
وإذا وُلي بوظيفة عامة وجدته أكثر الناس تحملاً لمسؤولية ما وُلِّي، يتقن كل عمله، ويبحث عن كل معلومة تعينه على الأداء، وهو هنا مثال للعدل مع نفسه ومع الناس، هو أشد الناس نفوراً من كل ما يجعله حين أداء عمله يميل إلى قريب أو صديق على حساب الآخرين، فما بالك أن يكون مرتشياً ليقدم من لا حق له على من له الحق، يسعى دوماً للارتقاء بأدائه لعمله، لا ليثني عليه الناس، وإنما ليستطيع القيام بعمله بإخلاص، لأن الرجولة هي التي تقتضي هذا، وهو لا يرضى منها بالمقام الأدنى.
وإذا كانت الرجولة هي عماد الخلق الفاضل، فلن تبحث عن فضيلة من الأخلاق إلا وجدتها في من تمتع بالرجولة، ولذا فكل الصفات التي وردت في نص السنة النبوية للمنافق لن تجدها فيه فلا تعرف عنه كذباً بل الصدق غايته، ولن تجده يخلف وعده أبداً، ولن تجده يخون أمانته أبداً، وإذا خاصم أحداً لم يفجر، فكيف به إذا اختلف معه على رأي دنيوي كان أو دينياً.
فالرجولة تقتضيه إذا وعد بأمر لم يخلف الوعد، بل هو أوفى الأوفياء بما يعد، وإذا اؤتمن لم يخن أمانته أبداً فالرجولة تلزمه كل هذا، لذا من تمتع بالرجولة لن يكون منافقاً قط لا بالمعنى الديني ولا الاجتماعي، وإذا كانت الرجولة تقتضي منه أن يكون قواماً على نساء بيته كان لهن أرحم الخلق، يقوم بشأنهن ويحميهن من كل جور، وليس صاحب سلطان عليهن يحبسهن في البيت ويضربهن إذا لم يطعنه.
الرجولة يا قومي تعني أن تكتمل صفات الإنسان الرجل من كل الفضائل، ويتخلى بصدق وإخلاص عن كل رذيلة، فالرجولة قيمة ترتفع بالرجال عن الدنايا.
لذا حاضر شاعرنا الفيلسوف المفكر حمزة شحاتة المثقفين بمكة المكرمة في جمعية الإسعاف الأهلية عن الرجولة عماد الخلق الفاضل ما يزيد عن ساعات أربع، لم يغادر الجمعية أحد، بعد أن امتلأت ساحتها بالمستمعين إلى المحاضر.
ووجدناها بخط يده فطبعناها في كتاب أصدرته تهامة حينما كانت دار نشر تسعى لنشر كل ما أنتج السعوديون فكراً وأدباً وعلماً في عهد مديرها المتقاعد الأستاذ محمد سعيد طيب.
وفي آخرها ما أسميناه استحياءات الفيلسوف.. فقد وجه إلى كل من فقد الرجولة بمعناها الذي أصل له، ذكر فعله وقال له: استح، فوجه ذلك لكل من فعل رذيلة في حق الوطن وأهله مؤكداً أنهم فقدوا الرجولة بأفعالهم القبيحة، ولو فهم الناس الرجولة بهذا الفهم وتسابقوا أن يكونوا على خلق أفاضل لانتهت كثير من مشاكلنا في مجتمعنا هذا.. والله الموفق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: