كلنا يعلم أن الصحافة في صورتها الحالية هي من مبتكرات الغرب ولاشك، وحينما انتقلت إلينا لم تنتقل عبر معرفة ومعلومات تمدنا بما نستطيع معه تطويرها لمصلحتنا مع الإضافة إليها بكل جديد، واقتصر الأمر على تقليد الغرب فقط كما هي عادتنا في تناول ما ابتكر الغرب وابتدع لنظل دومًا تبعًا له وكأننا لا نملك عقولاً تبدع، والصحافة في الغرب رغم إعجاب بعضنا بها إلى أبعد الحدود إلا أن عيوبها أكثر من أن تحصى، فهي دومًا تفتقد النقد النزيه إذا تعلق الأمر بالآخرين المختلفين عن شعوبها دينًا وثقافة وأسلوب حياة، فحياتهم بالنسبة إليها كلها عيوب وثقوب، تبحث في جذور مجتمعاتهم لتثبت أن هذه العيوب تخص ثقافتهم وأسلوب حياتهم، لأن المثل الذي تريدهم أن يكونوا عليه هو النموذج الغربي في ممارسة الحياة، ومنذ عرف الناس الصحافة الغربية وهي غير محايدة إذا تعلق الأمر بمجتمعات أخرى غير غربية، وما ينشر مثلًا عن مجتمعاتنا العربية والمسلمة عبرها دليل صارخ على الانحياز ضدها، وقل أن ترى فيها شيئًا يستحق الثناء، ودومًا الصحافة الغربية تلاحق ما يجري في أوطاننا برغبة شديدة في النقد، فإن لم تجد ما تنتقده فبركت التقارير لتثبت ما تراه عيبًا أو نقصًا في مجتمعاتنا، فهذه صحيفة الجارديان البريطانية تنشر بيانًا لقرائها تعترف فيه أن الصحفي جوزيف مليتون الذي عمل مراسلا لها لفترة في القاهرة قد انتهك -كما تقول- قواعدها والثقة التي منحته إياها وحذفت ثلاثة عشر تقريرًا كتبها المراسل، وحذفت ما لم تستطع التحقق من صحته من معلومات وتصريحات نقلًا عن مصادر، بعد أن أنكرت عدة مصادر أنها تحدثت مع المراسل، بل وتؤكد أنه نشر فيها مقالات احتوت على فبركة تقول إنها محتملة.
والحقيقة أن المتابع للجارديان في كل ما تكتبه عن منطقتنا إما مفبرك أو لُوِّن بما يجعله يشير إلى معايب لمجتمعاتنا وحكوماتنا، دون أن تقدم دليلًا على ذلك، وهذا شائع في كثير من صحف الغرب ورغم كل هذا لا نزال يتعامل بعضنا معها على أنها النموذج الأمثل لصحافة العصر، ولا نزال نذكر أن الإعلام الغربي خاصة منه البريطاني ظل يشوه مجتمعاتنا العربية والمسلمة منذ القرن الماضي، وقد اكتسبت الفساد الأخلاقي هذا بعض صحافتنا العربية من صحافة الغرب، وقلدتها فظهرت بالمظهر الأسوأ منها فيما تنشره عن مجتمعاتها، ونرى اليوم بصورة قبيحة الفبركة في صحف عربية لمجرد الاختلاف مع الحكومات والأفراد، خاصة بعد أن عمت فوضى ما سمي زورًا بالربيع العربي، ولا تزال توابعه تعاني منها مجتمعات عربية انفرط عقد وحدة أرضها، ووحدة شعوبها، وأصبح الزور فيها شعار كثير من الإعلام صحافة وإذاعة وتليفزيونًا من خلال الفبركة المتعمّدة، وأصبح الناس لا يأمنون حتى على أعراضهم من إعلام كهذا لا قيم له ولا مبادئ، وكل المحاولات لإصلاحه تذهب سدى لأن الفبركة في الداخل يعينها مفبركون من الخارج، وهذه ولاشك كارثة على الأوطان، والإصلاح في مثل هذه الحالات صعب جدًا، والأوطان العربية اليوم تحتاج إلى العزم والحزم في مواجهة ظواهر الفساد ومنها هذه الظاهرة الإعلامية، ولا ينفع في مواجهتها أن تواجه من حكومة واحدة فقط، بل لابد وأن يجتمع الجميع في صف واحد للمواجهة فلا يرضون بإعلام فاسد في أي من الأوطان العربية التي ما تزال العديد منها تعاني من الفوضى، التي نشرت فيها عمدًا، وعملت عليها أطراف متعددة لتبقى هذه المنطقة أسيرة حروب لا تنتهي، فهلا استيقظنا وواجهنا بجدية كل الأخطار صفًا واحدًا؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …