لا نجاة لأحد من أخطار في الدنيا تلوح بين الحين والآخر، والخطر الأعظم يوم القيامة، إلا بصلة بالله دائمة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار، يستحضر فيها المؤمن قدرة الله عز وجل عليه
إن الإنسان في هذا الكون يعيش سنوات عمره وهو يعلم أنه ميّت لا محالة، فالله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)، فيعلم أنه مهما بلغ الحذر كله فلن ينجح في كل خصومة بينه وبين الناس، إلا أنه يعلم أنه إن لم ينلها في هذه الدنيا، فلابد أن ينالها في اليوم الآخر يقينًا.
وإذا علم بهذا يقينًا بنص الكتاب فإن الأحداث اليومية من حوله تزيد في يقينه أنه لن يعيش أبدًا فربنا يقول: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)، فالأمر غالب لا على الأفراد وحدهم بل وعلى الجماعات والأمم، الكل له ساعة ويأتي أجله المحتوم، فإذا أدرك ذلك أبصر الحقيقة واضحة وأنه مخلوق له خالق، أوجد فيه الحياة، ويسلبه إياها حين يشاء، ويردها إليه إذا شاء ليحيا بعد ذلك حياة أبدية سرمدية، لا موت فيها ولا نهاية، حكمة مَن خلق، ونحن نعلم أن ما وعدنا ربنا حقًا متحقق بيقين والله يقول: (يَا بَنِي آدَمَ إمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
ولهذا فلا نجاة لأحد من أخطار في الدنيا تلوح بين الحين والآخر، والخطر الأعظم يوم القيامة، إلا بصلة بالله دائمة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار، يستحضر فيها المؤمن قدرة الله عز وجل عليه، وهو جعل خلقه غايته عبادته فقال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)، فليس لهم سوى الإذعان له بالعبادة، وليقروا بها له طاعة وكرهًا حتى أن رزقهم من القوت الذي يبقيهم أحياء هو خالقه، والطاعة كما نعلم ذات شقين أحدهما إتيان ما أمر الله به والانتهاء عما نهى عنه، فالله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، فطاعتان مستقلتان هما طاعة الله وطاعة الرسول اللتان لا مناص للعبد لينجو من خطر يحبط عمله في الدنيا أو يذيقه العذاب يوم القيامة، ثم تأتي بعدهما طاعة إنما هي لتنفيذ الطاعتين متصلة بهما، لا تخرج عنهما أبدًا، وهي طاعة أولي الأمر، التي دونها تذب في الحياة الدنيا الاضطراب، فلابد من سلطة وسلطان موكول إليه تنفيذ شرع الله لتستقيم الحياة، ولا يكون بين الخلق العدوان، فسلطان الدنيا ضرورة لإقامة سلطان الله، ولكن الطاعة إنما تكون في المعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فإنما النجاة حقًا بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فمن أطاعهما أمن في الدنيا والآخرة فربنا يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول عز من قائل حكيم: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى)، وقد يظن الظان الجاهل حينما يرى بعض الصالحين قد ابتلوا، أن وعد الله تخلّف، ولكن هيهات فالله صادق الوعد لا يخلف الوعد، وإنما يبتلي بعض عباده حبًا لهم يمحصهم من الذنوب وإن صغرت ليعظم لهم في الآخرة الثواب ويضاعفه فهو القائل: (أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ).
ومن خبر الحياة وعرف الصالحين وعاشرهم، يعلم علم اليقين صدق وعد الله الرؤوف الرحيم بعباده، فالذي عرف لذة الطاعة وصلحت صلته بالله يعيش في هذه الدنيا والسعادة تغمره، لا يخشى ظلم ظالم، ولا يخشى للزمان مصاعب أو كوارث، هو بنور ربه يعلم الطريق الأسلم الموصل لمن خلقه، وهو الذي ينجيه، وإنك لترى الرجل الصالح من أولياء الله يجتمع الناس ذوو العصبة والقوة ليضرّوه، فإذا به من كيدهم ينجو وعليهم يعود الكيد فإذا هم خاسرون، ذلك أن الله لا يسلم أولياءه لأعدائه، فهو يقينًا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وكلما كان الإنسان مع الله وهو ناظره وشاهده، يعلم منه كل خافية فالقوة فيه مرجعها قوة ممن أطاعه، وهو قوة حتمًا لا قوة لها غالبة أبدًا، فبقوة إيمانه وطاعته لربه ينتصر على كل من أراده بسوء، وإن ظن الخلق أنه ضعيف يمكنهم أن يسلبوه ما أرادوا وأن لا ناصر له، ومن عاشر القوم رأى في قصص حياتهم ما يجعله على يقين أن منهجهم هو الأسلم وطريقهم هو الطريق السوي الموصل إلى الله، فيتخذهم له أولياء لعل الله بحبهم وإجتماعه بهم يعامله كما يعاملهم، ورحم الله أشياخًا لنا صالحين نشّأونا على ذلك فذقنا معهم حلاوة الطاعة ورأينا من صلاحهم ما دعانا إلى اتخاذهم قدوة، فهل أنتم فاعلون كما فعلنا، فتأمنوا معهم في هذه الدنيا والآخرة؟ هو ما أرجو، والله الموفق.