العالم وانتقال الصراعات

من ينظر إلى عالمنا اليوم يجد أنَّه تشتعل فيه النزاعات في شتَّى أرجائه، بين قوى متنازعة في العالم، تسعى دومًا إلى إشعال نار حروب تبدأ مؤقتةً وضعيفةً، ولكنَّها لا تلبث إلاَّ قليلاً، وتزيد اشتعالاً، فتتنقل من مكان إلى آخر، كالنار في الهشيم، فنرى النزاعات السياسيَّة والعرقيَّة والدينيَّة تشتعل في بلد، فلا تلبث حتَّى تنتقل منه إلى بلد مجاور، وهكذا نجد أن ما يثور من نزاعات، لا يلبث حتَّى يتعدد وينتشر من مكان إلى آخر، وكانت لدينا بؤرة صراع واحدة في شرقنا العربي؛ سببها وجود دولة لقيطة، زُرعت في محيط معادٍ لها بالطبيعة، وهي الدولة الصهيونيَّة التي زرعت في فلسطين عنوة، وبمساعدة غربية واضحة، وتوافق بين قوى الغرب المسيطرة على توجّهات السياسة في العالم، وهذه الدولة اللقيطة أخذت تسبّب بأفعالها المحرجة لمن زرعت وسط دولهم، وللدول التي زرعتها حرجًا أكبر يتزايد مع مرور الزمن، وكان لابدّ وأن توجد مقاومة لها، ولو كانت سلميَّة، إلاَّ أنَّه عندما يثور صراع في مكان، فلا يمكن حصره فيه، بل لابدَّ وأن ينتشر فيما حوله، وهو ما حدث، فلم تعد فلسطين قضية عربيَّة خالصة، فكثير من دول الشرق، أصبحت تخشى أن تحلّ بها ما حلَّ بالعرب، فأخذت تعقد صفقات السلاح وتكدّسه داخل حدودها؛ ممَّا أضر بشعوبها، فقد صرفت سائر الأموال على ذلك، وما يبقى من الدخل لا يمكن أن ينفق على الشعوب المتطلّعة إلى حياة أفضل، في ظل التقارب العالمي، حيث أصبح العالم كله وكأنّه وطن واحد مكشوف فيه ما يجري في دوله، بحيث تراه الدول الأخرى ظاهرًا، غير خفيٍّ، تراه تارة على شاشات التلفزيون، وتراه واقعًا عبر زيارات تتعدَّد من هنا وهناك، وأصبح العالم -كما يقولون- جزيرة واحدة، الكلّ فيه يرى بعضهم البعض عبر وسائل الاتّصال المختلفة، ولم يعد بالإمكان محاصرة شعب داخل بلاده حتّى لا يرى ما يجري في البلدان المجاورة له، بل والبعيدة عنه، وهذه الحروب شظاياها تنتشر على رقعة أوسع من البلدان المختلفة، والعالم متواصل عبر تجارته، وعبر وسائل للتواصل مختلفة، وفيه أصبح من هو أقصى الشرق يعرف ما يجري في أقصى الغرب، والحدود أصبحت لا قيمة لها بفعل وسائل التواصل المختلفة، فأنت ترى في نفس اللحظة حدثًا وقع على شاطئ الولايات المتحدة الأمريكيَّة الغربي، وأنت تعيش في أقصى الشرق على شواطئ إندونيسيا.
إن العالم بوسائله الحديثة أصبح صغيرًا، يمكن لسكانه في كل الأرجاء أن يطّلعوا عليه في كل جوانبه وأنحائه، وهذا ما يجعل التواصل بين الجماعات البشريَّة كلها مستمرًا، والأفكار بينها تتناقل بكل سهولة، ففكرة عزل الشعوب أصبحت أثرًا من آثار الماضي.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: