لا شك بأن العلاقات بين الدول يهتم بها الإعلام من حيث تقييمها وآثارها ويتحدث عنها، لكنه حتمًا لا يصوغها، ولا يدعي العلم بخفاياها التي لا يعلمها الناس ولا يطلعون عليها، وحينما ينحدر الإعلامي، فهو حينئذ يدعي العلم بخفايا سياسة الدولة التي ينتمي لها، خاصة إذا كانت من الدول التي تحافظ على سرية ما تتخذه من مواقف تجاه الدول الأخرى، التي لها بها علاقات وثيقة، حتى إنها في أكثر الأحيان لا تعلنها على الملأ، استبقاء لعلاقة حميمة بها وخاصة، لا تريد أن يخوض الناس فيها فيفسدوها، فيأتي أقل كتاب الصحافة أو المتحدثين علمًا بما يجري بين الدول من علاقات سوية فكيف بها إذا مرضت، فيكتب مقالًا يدعي فيه علمًا بخصوص تلك العلاقات، ويتطاول على إحدى الدولتين، مما لو صدر عن إحداهما لأدى إلى تخريب متعمد لهذه العلاقة، ورغم ما يعلم أنه غير مؤهل لمثل هذا، ويعلم الناس أنه لا يملك من المعلومات في هذا المجال شيئًا يذكر، وفي بلاد مثل بلادنا يقل فيها أصلًا بين من يعملون في الصحف أو يكتبون فيها، المتخصصون في علم العلاقات السياسية الدولية، والذين لهم خبرة في هذا المجال، مما يدعو إلى نظرة نقدية إلى ما يكتب في هذا المجال مستبعدة أن تكون له حقيقة، لليقين بأنه لا يعتمد على معلومات موثوقة، أما الرأي والاجتهاد فإنه يأتي ولاشك فجأة لأنه يأتي ممن لا يعلم، وقديمًا قالوا: من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب، وقد رأينا كثيرًا من هذه العجائب حينما يتحدث كتاب صحف وإعلاميون غير متخصصين في علاقات بلادنا مع دولنا العربية خاصة ثم الإسلامية فدول العالم، ولهذا ترى عندنا دومًا أن الكتابة عن الدول التي تختلف معها بلادنا تعتمد في الغالب على ذم وهجاء للدولة التي تختلف معها سياسيًا بل وسباب وشتائم، وهو الأمر الذي ليس له تأثير في بيان المواقف ولا نقدها، وهو إن أساء فإنما في الحقيقة يسيء إلى مستعمله، حتى إنه عند العقلاء لا تحمل الدولة التي ينتمي إليها هذا الشتّام ما يقوله، فمعلوم أن الدول لا تستعمل مثل هذا مع الدول التي تختلف معها، لسبب واضح يعلمه كل عاقل، فالاختلاف سياسيًا بين الدول لا يستمر، فقد تفرضه ظروف وأسباب آنية، ولكنه بعد مدة يزول، والعقلاء لا يستخدمون فيه ما تبقى آثاره السيئة مددًا طويلة، وتثير في النفوس بعض المرارة التي تستمر طويلًا، فكم وقع خلاف بين دولتين ثم زال، فلم يبق إلا هذه الرائحة العفنة لما وقع من شتائم متبادلة، ولا يزال العالم كله يتذكر بالسوء حكامًا وزعماء اشتهروا بمثل هذه الأساليب، أما الإعلاميون فيعود الضرر عليهم وحدهم، حينما تنقشع سحابة الاختلاف، ويبقون هم من توجه إليهم الانتقادات، بل قد يبلغ الأمر أن يمنع أحدهم من الكتابة لهذا السبب، أو تمنعه بعض الدول من السفر إليها، والعقلاء من العاملين في مجال الإعلام يتجنبون هذه الأساليب، لأنهم يعلمون أنها أساليب غير حضارية ومتدنية، ولا تعود إلا إليهم بالضرر، وقد يلحق ببلادهم بعض الضرر من فعلهم الرديء، خاصة إذا صدر ممن إذا تحدث عن الاختلاف بأسلوب يوحي أنه يتحدث عن دولته، أو يدعي أن ما يكتبه هو سياستها، من بعض هؤلاء المتعالين، الذين لا سبب لتعاليهم سوى مرض نفسي يعتريهم، ولا علاقة للحكومة التي يعيشون في ظلها بما يقولون، أو يدعون العلم به، ولعلنا رأينا صورًا مخزية من هذا الإعلام الرديء حتمًا، فيما تصور البعض أنه اختلاف بين بلادنا ومصر، رغم أن الحكومتين لم تعلنا عن ذلك أبدًا، وإنما أعلنه أفراد لا يمثلونها رسميًا، حتى وإن جرى عتب بين الدولتين فهو على الأرجح لم يعلن وبالتالي فلم يخص به أحد من الكتاب أو الإعلاميين، وحتمًا ليس بين هؤلاء لا في السعودية ولا في مصر من يُعْلَم أنه يمثل حكومته فيما يكتب أو يعلن، فالكاتب أو الإعلامي الذي يخص بمعلومات وحده من هذه الدولة أو تلك لم يعد له وجود في هذه الأيام، وظهوره في الماضي كان له أسباب خاصة جدًا لا تتكرر، والذي يجير مواقف جماعته على أنها مواقف لحكومة بلاده يسيء بذلك لنفسه وحتما لا يسيء إليها، فهي لم تعلنه متحدثًا رسميًا باسمها، ولكن دفعه حرصه على جماعته لذلك، رغم أنه يعلم أن جماعته غير مرغوب فيها في الدولتين، فسياسة البلدين لا تتبنى وجود جماعات تدعي سياسة غير سياسة الدولة الرسمية، فهلا كف هؤلاء عن مثل هذا الهذيان؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.