يُسمِّي الناس في عصرنا القنوات التي تبثها أقمار صناعية عبر الفضاء «القنوات الفضائية»، رغم أن الفضاء لا يتحمّل جريرة هذا البث، وأن من يظهرون على هذه الشاشات هم ممن يعيشون على الأرض، ولم يأتوا من الفضاء، حتى أن بعضهم يساكنوننا في أوطاننا.
وهؤلاء تقدمهم القنوات بألقاب لا يعلم أحد ممّن يشاهدهم، أو يستمع إليهم هل هم يستحقونها، أم أنهم لمعوا بها فقط، ولا تنبئ عن حقيقتهم في الغالب، والغاية أن يغتر بهم الناس علّهم يصدقونهم؟ وهذا يحدث في زمن تنوّعت فيه وسائل الإعلام، وتعددت، وأتيح لكل أحد إنشاؤها مادام يمتلك المال الكافي، ولهذا نشأت لكل الجماعات المتطرّفة والإرهابية قنوات تخصّها، تحاول بما تبث من خلالها إقناع الناس بمناهجها الخبيثة، والتي إن اتبعها الناس زالت مجتمعات، وحلت محلها فوضى عارمة.
وفي هذا الجو لمّعت هذه الفضائيات أناسًا اعتبرتهم خبراء في مجالات مختلفة، يكتشف فيما بعد أنه لا علاقة لهم بما يتحدثون عنه، فهذا خبير في الجماعات الإرهابية؛ لمجرد أنه التحق بإحداها، ثم سجن، وخرج من السجن، فإذا به عند بعض هذه الفضائيات خبير في كل الجماعات، وإن تنوّعت، وهذا خبير سياسي يحلل ما يقع من أحداث، ولا علاقة لتخصصه بعلوم السياسة، ولم يعمل قط في مجالها، بل ومن أسوأ ما يقدم أن يكون أحد أصحاب الدكاكين الشهيرة بما يُسمَّى مراكز الدراسات الإستراتيجية ممّن لا علاقة له بهذه الدراسات أصلاً تستضيفه بعض القنوات الفضائية على أساس أنه خبير في سياسة بلاده، فإذا به يهرف بما لا يعرف، ويسيء إلى علاقات بلاده الدولية بما ينزع به بعيدًا عن واقع سياستها المعلنة.
وكم استمعنا لمثل هؤلاء عبر كثير من الفضائيات، ورأيناهم يخوضون فيما يجهلونه تمامًا، ولا يكشفهم إلاّ من تخصص في علم السياسة، أو الذي مارسها في منصب متقدم زمنًا ليس باليسير، ومثل هؤلاء قد يكون في حينٍ ما سببًا لنشوء خلاف سياسي بين الدول، ويظن أن المستمع لهم أن ما يقولون وجهة نظر لدولهم، وهي أبعد ما تكون عنها، وبهذا فإن إعلام هذه الفضائيات في أكثر الأحيان لا يفيد استقرار المجتمعات الإنسانية وللأسف، وعلى الدول أن تحذر منهم، وممّا يتقوّلونه باسمها لتصلح علاقتها بدول العالم من حولها، فهل تفعل؟! هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.