ترى مثل هؤلاء يتيهون على الناس كبرًا، لا يرونهم في أعينهم شيئًا، وهذا الغرور والكبر والعجب يعزلهم عن الناس فيكرهونهم.. ولا تجد حولهم إلا من يحتال ليستفيد منهم
ما سمي العقل عقلا إلا أنه يعقل الإنسان عن فعل القبيح، كذا سمى العرب العقل نُهية، أي ينهى عن مساوئ الخلق والفعل، والعقلاء هم ولا شك من يتجنبون كل أمراض النفوس التي نهى الله عنها في محكم كتابه وفي بيان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك من هذه الأمراض ما يفتك بالخلق في زماننا هذا وهي مترابطة بعضها يأخذ بأعناق بعض، فمنها ماهو ظاهر ومنها ماهو خفي.
ولعل أظهرها الغرور والإعجاب بالنفس، وهي حالة مرضية بالغة القسوة تعتري نفس الإنسان، فإذا به يشعر بالتفوق على الخلق، ولو كان خالي الوفاض من كل مقومات التفوق وأسبابه تشعر بهذا وهو يتحدث إلى الناس، ولا يرى فيما يقولون صوابًا أبدًا.
والغرور كما يعرفه بعض العلماء، بأنه سكون النفس إلى ما يوافق هواها ويميل إليه بالطبع، وهو في كتاب الله كل ما يغر الإنسان من مالٍ أو جاهٍ أو شهوةٍ أو شيطانٍ فالله يقول: (ما غرك بربك الكريم)، ويقول: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، ويقول: (وغرتهم الحياة الدنيا)، وقال: (وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا)، ولهذا نهى الله عن الغرور وألا يركن الإنسان إلى كل ما يقوده إلى التكبر، لهذا اشتد النهي لمن أوقعه غروره في هذا الكبر فجاء في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وقال: (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد).
فدواء الغرور والكبر توطين النفس على التواضع، وكلما ازداد الإنسان خيرًا خلقًا وسلوكًا ازداد تواضعًا، وكلما اغتر بدنياه وما حصله من مال أو جاه إلا وازداد تكبره وبعده على الناس، وحتى لو جاملوه لظروف خاصة ما إن يفارقهم إلا وقدحوا فيه فلا يحتمل الكبر عاقل.
وصنو الغرور والكبر العجب بالنفس وهي أدواء تهوي بصاحبها إلى المهالك دنيا وآخرة، والعجب أن يفرح الإنسان بما أسداه الله له من نعمة فيظنها منسوبة إليه وهي صفة دائمة له، فيستعظم النعمة ويركن إليها حتى يظن أن له عند الله حقًا أن يستبقي النعم له، وهذا ما يوصله إلى الكبر والغرور، والعبد إذا ركن إلى هذه النعم زكى نفسه لذا قال ربنا عز وجل: (ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى).
وقد سئل عبدالله بن المبارك رحمه الله عن العجب فقال: (أن ترى عندك شيئًا ليس ثم غيرك) وقال: (لا أعلم في المصلين شيئًا أشر من العجب).
والناس اليوم تغرهم النعم وما أفاء الله عليهم منها سواء أكانت بتحصيلهم أو باحتيالهم ليملكوا ما ليس لهم، ويرونها مكتسبات لهم بحقوق لهم على الله، وترى الرجل إن أصاب علمًا افتخر به حتى لا يرى لغيره علمًا، ولا لسواه فهمًا، وتراه إن أصابه غنى فرح به ولم ينظر إلى من هو أفقر منه، بل ينسى أن لله عليه حقوقًا ولعباده كذلك.
وترى مثل هؤلاء يتيهون على الناس كبرًا، لا يرونهم في أعينهم شيئًا، وهذا الغرور والكبر والعجب يعزلهم عن الناس فيكرهونهم، ولا تجد حولهم إلا من يحتال ليستفيد منهم مالاً أو جاهًا أو ما شابه ذلك.
وأما الصالحون فهم أبعد الناس عنهم، اللهم أبعد هذه الأمراض عنا وانزعها من قلوب إخواننا فنحن نرجوك وأنت بنا راحم.