اشتهرت عبارة يطلقها كتّابنا العرب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية أنّها تكيل بمكيالين، إذا أخطأ العرب وجّهت إليهم التحذيرات، واتخذت أشدّ المواقف حدّة، وإذا أخطأت دولة الصهيونية كان خطؤها برداً وسلاماً عليها، وطبعاً مواقف الإدارات الأمريكية تجاه هذا الكيان معروفة منذ أن نشأ، ومن وراء أمريكا الغرب كله، وإن اختلفت المواقف نوعياً.
ولكن هذه العبارة كلما حدث عدوان من الكيان الصهيوني على الضفة الغربية أو غزة في فلسطين، كال العرب لبعضهم بكلّ المكاييل، فمنذ العدوان الأخير على غزة، والذي ولاشك يثير أشد الغضب عند كل عربي ومسلم تجاه هذا الكيان الذي زرعه الغرب في محيطنا العربي ليكون له مخلب حيوان مفترش يوجهه لتحقيق مصالحه، يبدأ محيط الإعلام العربي يموج بمواقف متناقضة من بعض العرب تجاه العرب الآخرين، أما هذا الكيان فقد لا يناله من هذه المواقف الحادة التي تحمل أسوأ العبارات وما يصاحبها من بذاءات، يطلقها صحفيون ومن يسمّون أنفسهم نشطاء، بل وبعض الرسميين، وتحمل شتى الاتهامات مرّة بالخيانة وأخرى أنهم يحاربون الفلسطينيين بالنيابة عن الصهاينة وهذه الدولة أو تلك لها علاقات سرّية بهم لتسريب -كما زعموا- معلومات عن الفلسطينيين، وكأن دولة صهيون وهي الدولة المحتلة لفلسطين تنقصها معلومات عن أراضٍ تحتلها منذ عشرات السنين!!.
إنّ أمر العرب يثير الدّهشة، تكررت الحروب بينهم وبين دولة صهيون ولم يكتسبوا خبرة في التعامل معها!!، واتجهت جهودهم المشينة تجاه بعضهم بعضاً!، حتى أن أقدم دولة إسلامية لها علاقة وثيقة بهذا الكيان، وتربطها به معاهدات ومواثيق، ويقوم جيشها مع الجيش الصهيوني بين الحين والآخر بالمناورات المشتركة، وحتى عندما قتل الصهاينة بعض مواطنيها ما لبثت وأن أعادت الصلة به سريعاً، ومع هذا تتهم الجميع بأنه لهم صلات بهذا الكيان لإعانته على الفلسطينيين!!.
وتموج الساحة الإعلامية بتُهم متبادلة دون عمل لردّ العدوان على غزة، ويتصاعد الهجوم على دول بذلت لفلسطين أكثر الجهود لعونها في حالات السلم والحرب، وأخرى دخلت حروباً متعددة مع هذا الكيان نصرة لفلسطين والفلسطينيين، وهي اليوم تعاني اقتصادياً مع مشكلات أخرى وتطالب بدخول حرب جديدة!.
وأكثر الدول صراخاً من أجل الفلسطينيين كإيران هي من لم تقدم لهم شيئاً يذكر سوى إعانات مالية قليلة ولعلها مشروطة ولغايات بعيدة عن الانتصار لفلسطين وشعبها.
أما ساحات الإنترنت وأخصّها وسائل الاتصال الاجتماعي فينتشر فيها صناع كراهية وبغضاء بين العرب يحرّضون بعضهم على بعض، ويناضلون من أجل فلسطين بقطع هجاء مقذع لكل من يتصوّرون أنه يجب عليهم أن يكرهوهم.
وهؤلاء أحياناً ولا أقول كلهم من أصحاب السمعة المشينة من كتّاب يمرّون على جميع الدول يقبضون ثمن ما يكتبون ولو راجعت جواز سفر أحدهم اليوم لوجدت أختام الدول التي يهاجمها اليوم هي الأكثر لتردده عليها باستمرار!!.
فالعرب سادتي ابتلوا بأنفسهم ونضالهم ضد بعضهم بعضاً، ولا أحد من العقلاء يشك أن هذا المسلك لن ينهي احتلال فلسطين، ولن يرد العدوان على غزة، ولكنه يفسد العلاقات لا بين الحكومات فقط بل وبين الشعوب، وهذه المواقف المتناقضة والكيل بكل المكاييل عار على من يشارك فيها.
لن يردّ العرب العدوان عن غزة عبر مثل هذه المواقف وإنما يرد العدوان عنها أن تكون مقاومتها للاحتلال دائمة وتدعمه الدول العربية والمسلمة كلها، ولا يختلف الفلسطينيون كما اختلف العرب، فكل اختلاف بيننا هو في مصلحة عدونا، فهل نعقل هذا..؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.