توالي الصحف حديثًا عن التقاعد والمتقاعدين، ممّا يُدخل على نفوس المتقاعدين يأسًا هُم في غِنىً عنه، وأكثرهم من كبار السن، الذي أوهن الزمن أجسادهم، وأصابتهم أمراض الشيخوخة، واحتاجوا إلى اليد الحانية التي إذا مسّتهم أعادت إليهم شيئًا من الرجاء في حياة كريمة، حتى يلقوا ربهم مطمئنين.
إن حديثًا عن عجز في صندوق أموال التقاعد الذي تصرف منه مرتباتهم، بل والإنذار أنه في طريقه للإفلاس، حديث ولا شك خطير، ما كان لأكثر الصحف أن تتداوله على هذه الصورة المقرونة بكثير من التبريرات غير المعقولة، التي إن كانت واقعًا أوجبت تحقيقًا، ومحاسبة شديدة لمن تسببوا فيها، سواء من وضعوا نظام التقاعد ولم يستطيعوا أن يحتسبوا تغيرات الزمان حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، أو الذين استثمروا أموال الصندوق في مشروعات فاشلة، فخسر الصندوق الكثير من أمواله، أو لأي سبب آخر، والشيء الغريب أن تتداول كثير من الصحف هذا الحديث عن عجز يُدخل اليأس على هذه الفئة من المجتمع الأكثر احتياجًا لمرتبات ينفقون أكثرها على علاج لأبدان قد وهنت، فيُقال لهم إن هذه المرتبات يمكن أن تتوقّف، لأن الصندوق الذي تُصرف منه قد اعتراه عجز حاد، ولا يسمع من المسؤولين مَن يطمئنهم على مستقبلهم ومستقبل القادمين الجدد إلى صفوفهم، ويترك الأمر لمن يخوض في هذا الشأن، سواء أكان لديه معلومات صحيحة أم مجرد أوهام تدعوه شهوة الكلام إلى هذا الخوض فيما لا يعلم، وهو لا يملك عن الأمر أي معلومة صحيحة، وهو أمر تعوّدناه من كثيرين يتحدّثون عبر وسائل الإعلام في كل مشكلة تُطرح، وإن كانت خطيرة جدًّا، وهم لا يمتلكون عنها أي معلومات، وقضية التبرير تسود اليوم في بعض الكتابات الصحفية تطوعًا، لا لأنها حقيقية أو أن لها مصادر، وحينما تُثار مشكلات خطيرة تمس حياة الناس، فالأصل عند العقلاء أن يتصدى لها من يملك عنها المعلومات الدقيقة الصحيحة، والذي له القدرة على اقتراح حلول فعلية تساهم في حل المشكلات، أمّا أن يتصدَّى لها مَن غريزة شهوة الكلام عنده في قمة نشاطها، فتلك كارثة، ونحن على يقين أننا سنسمع قريبًا أن الدولة استطاعت حل مشكلة عجز صندوق مرتبات المتقاعدين، دون أن تُلحقهم أضرار، فهذا هو المعهود منها، والله ولي التوفيق.