في النظم الديمقراطية اهتمام بالغ بما يسمى أحياناً “المجال العام” وهو يعني المساحة الفاصلة بين جماهير الناس واجهزة الدولة المختلفة، أو قل نظامها السياسي أو الحكم فيها، فليست كتلة السكان تابعة، بل هي المحرك الأساسي لكل أنشطة الدولة، وحتى لا يطغى المتحكمون في أجهزة الدولة، أو مؤسسات الحكم على الناس فيصبحوا تابعين لهم ومسيطراً عليهم، لا رأي لهم فيما تقوم به بالذات الاجهزة المباشرة للحكم، كان لابد وان يتاح للناس المشاركة الفاعلة في كل القرارات التي تمس حياتهم، فتنشأ بينهم اتفاقات لانشاء مؤسسات اهلية، برغبات منهم فردية او فئوية جماعية، نسميها مؤسسات المجتمع المدني، وتتنوع هذه المؤسسات وتتلون، ولكنها جميعاً انما تنشأ في فضاء الحرية الذي يوجده النظام الديمقراطي، غير موجهة ولا مسيطر عليها من اي جهة حكومية، ومن اهم هذه المؤسسات الاحزاب السياسية، التي تتبنى مشاريع للنهوض بالوطن، وتعلنها ليختارها الناس على اساسها للحكم لفترة محددة، ومنها النقابات المختلفة، والتي تقوم بدور هام في رعاية الافراد المنتمين اليها وتدافع عن حقوقهم، وتخفف العبء على الحكومة ولكنها في ذات الوقت تمنعها من ان تطغى على الافراد وتسلبهم حقوقهم، وكذلك المؤسسات الحقوقية المختلفة مثل جمعيات حقوق الانسان، كذلك المؤسسات الثقافية التي تنشأ من قبل الافراد او المجموعات المنتمية للون ثقافي معين كالادب او الفنون بصفة عامة، كذلك الاندية الاجتماعية والرياضية، ومؤسسات الخدمات التطوعية، وجمعيات التكافل الاجتماعي كجميعات البر مثلا، وهذا كله ما يسمونه فضاء الحرية، فالمجتمع المدني لا يمكن ان ينشأ الا في ظل مجتمع يرعى الحريات العامة، والحقوق الانسانية المرعية، والمجتمعات الانسانية التي اختارت النظام الديمقراطي نظاماً للحكم لا تعاني اي مشكلة بالنسبة للمجتمع المدني ومؤسساته، بل هو الاصل فيها، الذي يحقق التوازن بين سلطات الدولة المختلفة والافراد، ولكن المجتمعات التي لا تزال خارج منظومة الدول الديمقراطية لديها مزيد حساسية من المجتمع المدني لا تقننه حتى لا تنشأ مؤسساته، لتبقى السلطة للحكومة مطلقة، وهذا هو ما يمايز بين النظم المعاصرة، ولعلنا نقترب من النظام الديمقراطي، فالانتقال اليه في المنظور القريب أمر مستبعد، ولعله قادم بإذن الله فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.