لا أظنُّ أحدًا في عالمنا العربيِّ كلّه يكرهُ الخيرَ لشعبٍ عربيٍّ مسلمٍ كشعب قطر، بل إنَّه لا يتمنَّاه له، ولكلِّ شعبٍ مثله، ولكن حتمًا لا أحدَ في أوطاننا العربيَّة والمملكة كلَّها سليم العقل، وذو فكر صائب يرضى أنْ تعملَ حكومة قطر للإضرار بأشقائِها العرب أين كانوا من هذا العالم، دولاً كبيرة أم صغيرة، غنيَّة أم فقيرة، فكيف إذا كانت هذه الدول الشقيقة دول جوار، وهم لهم أهلُ مودَّةٍ، واجتمعت معهم في منظومةٍ واحدةٍ سموها مجلسَ التعاون الخليجي، وحتمًا أنَّهم بإنشائها لا يعلمون لفرقة بينهم، أو السعي إلى بعضهم بالضرر من الأضرارِ بالغة، بل أرادوا منها أن تكون سياجًا قويًا يحميها من تدخلات دول كثيرة في العالم، كانت -ولا تزال- ذات منهج تدخلي في الدول الأخرى، من أجل ما تتصوَّر أنَّه مصالح لها تحميها، وإنَّما ذاك تبرير لتدخلها، وهو في النهاية حتمًا ضررٌ لها على المدى البعيد، فها هي دول غربيَّة أغرمت بالتدخل في شؤون الدول العربيَّة والإسلاميَّة، عندما رأت ضعفها باديًا، ولكنَّها في النهاية جنت من هذا التدخل ما الله به عليمٌ، فقد اضطرها في زمان لاحقٍ لاستقبال أعدادٍ متزايدةٍ من سكّان تلك الدول، بعد أن لم تجد لقمة العيش في بلدانها، وبعضهم انتقم لما كانت تفعله هذه الدول بشعوبهم، فالبشر دومًا لا ينسون مَن أضرَّ بهم، وأكثر دول العالم وإن اختلفت أديانًا، وثقافاتٍ، وألسنةً، وألوانًا تتحرَّج من التدخل في شؤون دول أخرى، وشعوب أخرى مسالمة لم تمتد اليد بالأذى إلى غيرها كدولنا، وكم نحترم اليوم في الغرب والشرق دولاً لم تفكر قط في استغلال ما كانت عليه دولنا من الضعف، ولم تتدخل في شؤونها، وقطر الشقيقة على ضعف قدراتها الإنسانيَّة وقدراتها العسكريَّة والبشريَّة، وضعف سياساتها الممارسة، التي تكشف عن ضعف إدارتها، بشهادة كلِّ مَن تعامل معها دولاً وأفرادًا، إلاَّ أنَّها منذُ دبَّ داء الاختلاف بين حكَّامها، وأُغرم كلٌّ منهم بإزاحة أخيه، أو عمّه، أو أبيه عن سدّة الحكم في أثناء غيابه عن البلاد، ومنع عودته إليها، وأمور الحكم تتدهور فيها، ويتسلط عليه من ليس له أهلاً، وبدأ مشوارٍ آخر لا مصلحة فيه أصلاً للشعب القطريِّ، ولا لأسرتِهِ الحاكمة، وهو محاولة حكَّامه غير المؤهَّلين للحكمِ أنْ تكونَ لهم السيطرةُ على منطقتنا لا الخليجيَّة فقط، بل والعالم العربي كلَّه، دون أن يمتلكوا لمثلِ هذه السيطرة أدواتٍ وأسبابًا، وبدأوا أنوعًا من الإضرارِ بالغيرِ من دول الجوار لهم، ولعلَّهم بهذا أثبتوا عدم قدرتهم على حُكم وطنهم، فما بالكم بأوطان الآخرين؟ والدول ليست حكامًا فقط، بل وشعوب لا ترضى أن تُمسَّ كيانات بلدانهم بضررٍ، وإلاَّ انتفضت سريعًا في وجه من يحاول ذلك حتَّى تهزمه، حدث ذلك في شتَّى أرجاء العالم، ولكنَّ الجاهلين لا يعلمون، والاعتماد على ما يصوِّره الأعداءُ لخلاف يدَّعون أنَّه وقعَ بين حاكم وشعبه، على أنَّه يمهِّد لزواله، هو في الحقيقة ما يجعل الشعب يقف مع حاكمهِ صفًّا واحدًا حتَّى يهزم المعتدي، ولكنَّ السفهاء لا يعقلون، وهذا ما جعل قطر تتوهَّم أنَّها ستحققُ الانتصارَ على شعوب تجاور بلادها بالدسائس، فظلَّت تعادِي دولاً خليجيَّةً أكبر منها وأقوى، ولها من مقوِّمات الحياة ما ليس لها، وهي تظن أن مؤامراتها تضعفها لتبقى قطر القويَّة المسيطرة، وخابَ الرجاءُ، فقد استمرَّت التجربةُ أكثر من عقدين من الزمان، أو أكثر قليلاً، ندوبها على الجسد القطري واضحة المعالم، حتَّى جاءت الطامَّة، واضطرت الشعوبُ الخليجيَّة أنْ تسقط قطر من حسابها، وتضرب حولها حزامًا لا يمكِّنها من صنع الأضرار لها، وهكذا وجدت قطر نفسها معزولةً في محيطها الخليجيَّ، وعمَّا قليل ستُعزل عربيًّا، فإسلاميًّا، ثُمَّ عالميًّا ما لم تستسلم وتعلن تخلِّيها عن الأسباب التي أدَّت إلى هذه العزلة، ولعلَّ ذلك يكون قريبًا؛ لنربح شعب قطر، فتعود المياه إلى مجاريها، ويحجب الضرر كله، ذاك ما نريد، وإنا لندعو الله أن يكون.