وليعد الناشطون إلى صفوف الناس المعنيين بإعادة النهوض بوطنهم، لا أن يعودوا إلى مثل ما كان قبل الربيع العربي ليكون هذا الوطن في مصاف الدول المتقدمة
هذا المسمى بالربيع العربي له علينا فضل لأنه كشف لنا حقائق ما كنا سنصل إليها لولا حدوثه، ممن يدَّعون أنهم الناشطون وتتعدد مهامهم في بلدان الثورات العربية، فهذا ناشط سياسي يطالب بالإصلاح السياسي، وتراه خطيبا متحمسا يرفع صوته في المحافل يطلب أن تتحول دولته إلى دولة ديمقراطية، فلما وصل إلى منصب في الحكومة ظل يتصرف كناشط سياسي يخطب ويتخذ المواقف، ولكنه لا يعمل لمنصب هذا شيء، لأنه ظل كل حياته أو بعضها ينتقد فقط، فلما أوكل اليه العمل فاجأه ذلك، ولم يعرف كيف يتصرف، فقد تولى وزارة التعليم العالي في مصر في هذه الفترة الانتقالية وهو ناشط في جماعة تسمى 9 مارس، فظل ناشطا لا وزيرا، فلما ازدادت حدة الاشتباكات في الجامعات، تلك الاشتباكات التي حطمت بعض الكليات والمكاتب وأفسدت كل شيء في الجامعة، وأحرقوا كليات وكل ذلك باسم المظاهرات السلمية، وهم يحملون الزجاجات المملوءة وقودا التي تسمى مولوتوف، وظل الناشط ناشطا يرفض أن يكون للجامعة حرس من الشرطة بدواعٍ واهية، بزعم أن الحرس يتدخل في التعيينات في الجامعة،
فكيف وصل سيادته إلى أن يكون في الجامعة مسؤولا كبيرا، إن كان الأمر كذلك.
وهذا ناشط آخر تولى مسؤولية جامعة وظل ناشطا فتوالت مشكلات العنف في الجامعات وكلها جرائم كبيرة في حرق وهدم للممتلكات العامة والخاصة كسيارات اساتذة الجامعة ومديرها، وتجد هذا ناشطا كما يزعم في الشأن العام، فأصبح الربيع اليوم بعد ما سموه ثورة يعطل كل عمل لإصلاح الوطن، فمواجهة العنف لا تعجبه، وأي حكم يصدر على إرهابي ارتكب جريمة أو شابا مُوِّل من حركة إرهابية أو دولة أجنبية لنشر فوضى في وطنه وقف هذا الناشط خطيبا يطالب بإسقاط الأحكام عنه، وإطلاق سراحه باسم حقوق الإنسان، وكأن هذه الحقوق لا تكون إلا لأهل العنف وتبحث ما الذي حوَّله من الدعوة لإنقاذ وطنه إلى ضد ذلك يدعو لنشر الفوضى في هذا الوطن.
وهؤلاء الناشطون جلهم يظلون ناشطون ولا يصلحون للعمل التنفيذي إلا القليل جدا منهم، وهذه حقيقة نراها بوضوح في العالم اليوم أما من يتأهل لممارسة الأعمال الوطنية ويتخصص لميدان منها فوقته لا يتسع أبدا لأن يخطب كل يوم، وإذا حل المساء كان ضيفا على عدد من الفضائيات، وإنما يتقدم بخططه واقتراحاته لحكومة بلاده يعينها على الانتقال بوطنه من حال التخلف إلى حال التقدم.
فالمعلوم بداهة أن بعد هذه الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى تغيير في نظم الحكم، سواء أقلنا أنها حدثت من خلال رغبة شعبية عارمة، أو أنها خُطِّط لها في الخارج، أو خُطِّط لاختراقها وتحويلها لمصالح لدول أجنبية، إلا أن العودة للنظام السابق أصبح مستحيلا فاستمرار الناشطين في صراخهم مضيعة للوقت فقط.
والحل أن تتضافر الجهود لاستعادة الأمن والأمان في تلك الأوطان فلن يتحقق للناس ما كان يهدفون إليه من هذا التغيير الذي حدث الا بتضافر جهودهم للقضاء على كل لون للعنف أو الفوضى، ومن ثم العمل للإنتاج لإصلاح منظومة الاقتصاد.
وليعد الناشطون إلى صفوف الناس المعنيين بإعادة النهوض بوطنهم لا أن يعودوا إلى مثل ما كان قبل الربيع العربي ليكون هذا الوطن في مصاف الدول المتقدمة.
وهذا هو ما سيستغرق الكل في عمل جاد إن أخلصوا لا يجدون معه وقتا للاعتراض أو تكوين جماعات تتحول إلى تيارات متطرفة دينيا أو مدنياً.
وبدون هذا لن تستطيع الشعوب التي حدثت فيها هذه الثورات أن تنجح في استعادة وطنها ما لم يتكاتف الجميع على قلب رجل واحد على استعادة الأمن أولا ثم العمل للوطن كل في موضعه وفيما يحسنه، حتى يرتقوا بوطنهم وبحياتهم فيه.
وهذه الطريقة الوحيدة لإنقاذ وطنهم من الفوضى الخلاقة المزعومة، والتي فتكت بعدة أوطان عربية وأخرى مسلمة بعد هذا الخريف الذي استمر حتى اليوم، ونسأل الله عز وجل أن يحمي كل أوطاننا عربية مسلمة، إنه سميع الدعاء.