يتردد اليوم في الكتابات الصحفية الحديث عن التنوير، وطبعاً للتنوير في الغرب مفهوم معلوم، استقر في أذهان من تحدَّثوا عنه من الغربيين، ليمثل الظلام عندهم ما دعت إليه الكنيسة في فترة حكمها للمجتمع الغربي، وما جرى منها كمظالم له، ولا ينكرها أحد، وحتماً هذه المظالم لا تعود إلى الديانة المسيحية المنزلة على عيسى نبي الله عليه السلام، بل لعلها عند العقلاء من المنتسبين إلى المسيحية زيف لا حقيقة فيه، ومن ذلك مصادمة أفكارها للعلوم الطبيعية الثابتة حقيقتها بالبرهان العلمي الواضح، ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك بل انسحب إلى كل ما تدعو إليه الكتب الإلهية أو المقدسة، لذا شاع في عصر التنوير في الغرب نقض الدين ذاته، وانتقاد الرسل ذاتهم، رغم أن كثيراً مما ينتقدونه لا تصح نسبته إلى كتب الرسل أو إلى الرسل أنفسهم، وإنما لما زور عنهم رجال الدين من قسس ورهبان، وهذا حال حتماً يختلف عما في تاريخ الإسلام، فالدين الإسلامي لا يعرف مصطلح رجال الدين، ولا يعطي العالِم في الدين؛ الحق في أن يحكم على الناس أحكاماً جائرة عبر الادعاء عليهم بالخروج من الملة، ما لم يكن لذلك براهين وحجج واضحة، ثم إذا حكم عليه بالارتداد عن الدين عومل معاملة خاصة ليس فيها غلظة عليه بل عن طريق إقناعه بصحة الدين وبالبراهين التي تثبت ذلك، والصبر عليه حتى يعود عن تركه للدين، وكثير ما يُعرَض عن ذلك، ذلك أن الدين في الإسلام هو مصدر النور الحقيقي، الذي يقود صاحبه إلى اليقين في هذه الحياة لا غيره، حتى أننا نجد أن كثيراً ممن يعانون من عدم اليقين في حقائق هذا الكون في بلداننا الإسلامية جلهم من الذين جهلوا حقائق الدين، أما أولئك الذين لهم اطلاع حقيقي عليها، فغالباً لديهم اليقين في جميع حقائق هذا الكون، مما يدل أن معرفة الدين تقود حتماً لليقين، وأن الجهل به يقود للجهل بحقائق الواقع ثم الكون. ومن يقرأ القرآن يجد أن لفظ النور فيه يتكرر كثيراً بما يفهم منه أن هذا الدين لم يشرعه الله إلا ليخرج الناس من الظلمات إلى النور كقوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ)، ويسمى الكتاب العظيم نوراً فيقول الله: (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) فالشريعة هي النور الذي يجعل الإنسان يصل إلى الحقائق بسهولة، ويقول ربنا داعياً إلى الإسلام: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ)، ومن حييَ حياة الأتباع لهذا الدين الذي ختم رسالات السماء إلى الأرض يعلم أن الأنوار كلها إنما تشرق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهنيئاً لمن تعرف عليها وعمل بما تهدي إليه.