تلك المؤسسات تسعى لإيجاد النسبة المطلوبة للسعودة فتفرض تلك المرتبات المتدنية في وظائف وهمية
لا أظن أن بلادنا مرت بقضية اعتراها الغموض وعدم توفر المعلومات الكافية عنها مثل القضية المسماة «مشكلة البطالة» خاصة عندما يعاني منها شباب مؤهلون في اختصاصات شتى تحتاجها البلاد، ولكن الفرص الوظيفية عنهم تضيق، وتذهب إلى أصحاب النصيب من الوافدين من بلدان شتى، الذين تتزايد أعدادهم في كل مواقع العمل.
ورغم الجهود المبذولة والمعلن عنها لحل هذه المشكلة، وتتردد التصريحات ونفرح بها ولكن الواقع لا يتغير، فتقول وزارة العمل إنها وظفت ربع مليون مواطن وكانت تقول من قبل إن البطالة حجمها لا يتجاوز عدد من وظفتهم إلا بقليل، والأمر الغريب جدا ألا رقم للبطالة أعلن وعلمنا أنه الرقم الحقيقي لها، ثم نقرأ تصريحا آخر لمحافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أعلن فيه أن 39% من الموظفين المسجلين في شركات القطاع الخاص يتقاضون رواتب لا تزيد عن ألف وخمس مائة ريال. وهو مبلغ لا يمكن أن يكون مرتبا لأحد في هذا الوطن وتحت هذه الظروف التي فيها غلاء المعيشة تبتلع أعلى المرتبات.
ويشرح هذا الوضع المعركة القانونية أو النظامية، بين مواطنين وبين مؤسسات استغلت اسماءهم لتزج بأسمائهم في وظائف لم يمارسوها قط، في مؤسسات تسعى الى أن توجد النسبة المطلوبة منها لتوظيف السعوديين، وتفرض لهم هذه المرتبات المتدنية، حتى ترفع النسبة القليلة للتأمينات، التي تطالبها بها وزارة العمل، ويبقى هذا التوظيف وهما لا حقيقة له، سواء رضي الشاب الموظف أم لم يرض، وهو أمر غريب أن يحدث في بلادنا، ولا يحقق فيه، حتى لا يعتاد مثل هذا الفساد الإداري والمالي.
ويخبرنا الاقتصادي فادي العجاجي عبر جريدة الرياض أن عدد السعوديين وغير السعوديين المشتغلين (15 سنة فأكثر) بلغ (4.3) أربعة ملايين وثلث مليون في النصف الأول من عام 2012م وفقا لمسح القوى العاملة (الدورة الأولى) الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، واشار إلى أن 71% يعملون في القطاع الخاص، أي حوالى ثلاثة ملايين عامل وعاملة، واضاف ان 39% منهم مسجلون في التأمينات براتب الف وخمسمائة ريال شهريا، وفقا لتصريحات محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أي حوالى (1.2) مليون سعودي يتقاضون 1500 ريال، وأوضح أن معظم الشركات تسجل موظفيها في نظام التأمينات الاجتماعية، وأن البدلات والعلاوات لا تدخل في الراتب الأساسي.
ورجح الا يحدث تغيير كبير في قيمة الاشتراكات في نظام التأمينات الاجتماعية بعد قرار رفع الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع الخاص إلى (3000) ثلاثة آلاف ريال، لأن معظم الشركات في القطاع الخاص ستلتف على القرار بزيادة البدلات والعلاوات مع تثبيت الراتب الاساسي ومعنى هذا أن التزوير يتم تحت بصر كل مسؤول، ولا أحد يمنعه، وحقوق من يطلب فرصة عمل من المواطنين وخاصة الشباب منهم، ومن منا من لم يعان من حصول ابن له على مؤهله وطلب العمل سنوات ثم رضي بأدنى أجر، لا يكفي أجر نقله من داره إلى مقر عمله، ولا يكفيه مصروف جيب، وصبرت العائلات على هذا الوضع زمنا ليس باليسير، كما كان الأمر من قبل أن يستحوذ فرد على عدد من الوظائف وتعدد له المرتبات والمكافآت، وحوله كثيرون من الكفاءات لا يجدون عملا يعينهم.
إن الإصلاح الإداري والمالي سيوفر لنا أموالا ومناخا سيجعل ابناءنا يجدون من الأعمال ما تطلقهم نحو الحياة العملية وهم آمنون على مستقبلهم، يبنون أسرهم التي يحيون معها سعداء، ويبنون منازلهم الخاصة بهم، لا أن يجدوا أنفسهم بعدما استهلكت أجسادهم في خدمة وطنهم، معرضين إلى أن ينفقوا من رواتب جلها أجور لمساكن يقيمون فيها بعد ان ضعفوا وهدّتهم أمراض الشيخوخة، وكلما أعادوا النظر فيما سبق من أيام حياتهم رجوا أن لا تمر بأبنائهم من بعدهم.
فأنفقوا عليهم قليل أموالهم ليمنعوا عنهم مذلة ألا يجدوا عملا، أو أن يمدوا أيديهم إلى الناس ليعينوهم على الحياة، فإذا لم ترحموا أبناءهم، فارحموهم في شيخوختهم وساعدوهم ليطمئنوا على أولادهم قبل أن تحين آجالهم.
إن مشكلة البطالة أخطر مشاكل المجتمعات البشرية، وكلما استطاع مجتمع ألا يبقى إلا نسبة ضئيلة جداً من الأفراد المتعطلين عن العمل لأسباب مختلفة يحاول إزالتها بتوفيرعمل بإعداد من انصرف من عمل آخر له، أو بضمان اجتماعي وكفالة، والمستحقون لمثل هذا في بلادنا تتزايد أعدادهم فهل سنعمل على أن نجد لكل عاطل فرصة عمل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.