تجري بنا أيام الحياة بمسراتها وما يعترضها من حسرات، ما دمنا قد عقدنا العزم على أن نحياها بمنهج سليم يحقق لنا فيها السلامة في الدين، وهي الأصل الذي لا يتحقق إلا بالاستقامة على ما يرضي الله، والسلامة في الدنيا، التي حتماً لن تتحقق لنا إلا إن عملنا لها بمنهج سديد، يجعلنا نحقق فيها لنا ما نضمن به السعادة فيها، ومنع الشرور عن أنفسنا، ولا يبقى لنا معين على كل ذلك إلا الإيمان بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – يقتضي حبهما الذي ينمو في القلب حتى يكون سببا لحب كل ما هو مفيد للحياتين الدنيا والأخرى، بمزيد من الرضا الذي يملأ النفس فتصفوا فتحب لحبها لله كل الخلق، نرجو لهم ما نرجو لها، ويتبلور هذا في حب ومودة من الخلق، تنشئ بينك وبينهم أجمل الروابط، وأصفاها وأخلصها، ولعل أهم الفترات التي تدرك فيها هذه المعاني إذا تعرضت لمحنة، فصدق حبك لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولدينك الهادي لك إلى كل خير هو أكبر دواء ناجع تزيل به المحن والنوائب، فتشعر بهذه المحبة والمودة الخالصة التي يبادلك إياها الخلق، لأنك بحبك لربك ولنبيك وما جاء به من الفضائل، وما جنبك به الرذائل، جعلك تحبهم وتحب الخير لهم، فما من خير أصابك إلا وقد أحببت أن ينالهم منه مثله وأكثر، وما أصابك من نوائب ومحن إلا وتمنيت صادقاً ألا يصيبهم منها شيء، وأجزم أنك ستجد منهم -إلا من شذّ- نفس هذا الشعور، فيغمرونك حينما تصيبكم المحنة بمحبتهم ومودتهم، يرجون أن تزول عنك، فيزيدك هذا قوة في احتمال آثارها والنجاة منها، فقد شعرت حينما داهمني المرض، أن كل أهلي وأحبابي من الأصدقاء والزملاء، ومن اجتمع معهم على منهج أصيل في المدرسة العلمية التي اخترتها حولي يدعمونني، ويدعون لي مخلصين أن أشفى من المرض وأن أعود إلى حياتي كما كنت دائماً واثقاً بربي، وما أن عزمت على إجراء عملية عليها تخفف آلامي، إلا وجدتهم حولي يشجعون ويعينون، فمنذ اليوم الأول واتصالاتهم لا تنقطع، فأمضيت الأيام بعيداً عن أرض الوطن وكأني لم أغادره أبداً، هم حاضرون معي بأمانيهم الطيبة، وخالص دعائهم، واتصالاتهم الدائمة، يسألون عن حالتي الصحية وما تم من علاجي، فشعرت كأني لم أغادر جدة، فأنا أعيش بينهم، وبما أن وفاء كهذا يفرض عليّ شكراً لكل من أسدى إليَّ معروفا، بنصيحة أو مد يد عون لي، أو دعاه حبه لي فكان من الأخيار، الذين استجاب الله لهم فأعانني على الشفاء، ورد عني المضاعفات التي تصاحب العمليات أحياناً فامتلأت نفسي بالرضا وحمدت الله أن كان لي من الأهل والأحباب من هذا حالهم، فحمدا لله على كل هذا الأنعام، وهو عز وجل الذي تكفل بأن يزيدنا نعماً كلما شكرناه أليس هو القائل: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، ونعمه عز وجل لا تنقطع، والعجز عن أداء شكرٍ يوافي نعمه مستحيل، فنحن نلهج بشكره ليلا مع النهار، ورجاؤنا أن يتقبل منا فيزيدنا من نعمه فبيده ملكوت كل شيء، وعلمنا يقينا أن من لم يشكر العباد إذا أحسنوا إليه، لم يحسن أن يشكر الله حق شكره، فشكرنا لمن أسدى إلينا معروفا من خلق الله هو الطريق إلى شكر الله، بذا تستقيم الحياة وتصفو، فإلى كل إخواني وأحبتي الذين عناهم أمري أثناء مرضي وقبله وبعده، ورجوا لي الخير دوماً الشكر الجزيل، والدعاء الخالص إلى ربي لهم بأن يجزيهم عني كل خير، ويرفع أقدارهم وأن تغمرهم نعمه ظاهرة وباطنة فهم يقينا من أهل ذلك ويستحقونه، وحبي لهم ومودتي بإذن الله دائمة لهم لا تنقطع، وأما من قصر في حقي أثناء أزمتي هذه فلا أحمل له إلا الخير، واسأل الله له صلاح الحال فبه فقط يستطيع أن يعرف أقدار الخلق فيسعى إليهم بالشكر لما أسدوه له من فضل، فاحفظوا عني أن خير الفضائل الوفاء، ولا يقدر هذه الفضيلة إلا من أنعم الله عليه بحبه وحب نبيه المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – وكلما زاد العبد وفاء زاده الله من الخير أضعافاً، فاغنموا أحبتي الخير وكونوا أوفياء تعيشوا سعداء، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، إنه سميع مجيب.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …