لو أردت أن ترسم لنفسك برنامجًا يوميًا، ترصد فيه حركتك في يومك كله، وفق رؤية تحقق بها أكبر منفعة لك في دنياك ثم في أخراك، تعظم فيها الانتفاع بوقتك، الذي أنت مسؤول عنه فيما أنفقته، وتحجم قدر ما يضيع منه بلا نفع، فلن تجد برنامجًا تتبعه خيرًا من برامج سار عليها من به يقتدي كل مؤمن، في جلب كل خير، ودرء كل شر، سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعانا ربنا بأن نتأسى به ونقتدي سيرته العطرة شاهدة على ذلك، وقد حاول أخي الكريم الدكتور عبدالوهاب بن ناصر الطريري أن يقدم لقرائه في كتاب عن برنامج اليوم الكامل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابٍ جعل له عنوان ما عنونت به هذا المقال، ومنذ عرفت الدكتور عبدالوهاب وأنا أزداد بعلمه وخلقه واعتداله ووسطيته إعجابًا، وقد أراد بهذا الكتاب أن يقدم لنا مشهدًا متكاملًا ليوميات الحياة النبوية لنتتبع إيقاعها اليومي مواقع التأسي والاقتداء. (لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة)، ودعانا مخلصًا أن نأخذ من حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نصلح به حياتنا، وما أحوجها في زماننا هذا إلى الإصلاح، وقد انحرفت بها الأهواء والشهوات في زماننا، وتعثر كثير من الخلق في الطريق الذي يوصلهم إلى رضا ربنا، الذي به تستقيم الحياة، وكما يقول ففكرة الكتاب بدأت مشروعًا في ذهنه قبل نحو عشرين سنة، وظلت تنمو على مدى العقدين، يلتقط مفرداتها وشواهدها، ويجتهد في رصفها وإلحاقها بأولى المواضع بها، وحينما كتب منها مختصرًا بعنوان: «اليوم النبوي» دفعه إلى مشايخه وإخوانه من أهل العلم يستشيرهم فيه، ليستفيد من تسديدهم ومشورتهم، وملاحظاتهم، حتى أثمر الجهد بهذا الكتاب الرائع، الذي ينم عن تعلق شديد بسيرة وسنة سيدي المصطفى صلى الله عليه وسلم والرغبة الأكيدة في اتباعه والاقتداء به في كل شؤون الحياة، ليدفعه إلى المطبعة فيهديه لإخوانه المسلمين يتصفحون من خلاله صفحات مضيئة لاستغلال الوقت كله فيما ينفع الأمة وينفع النفس، فما ترك من حياة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومه جانبًا إلا وسرد منه شيئًا معتمدًا على السنة النبوية المطهرة، والسيرة المضيئة لسيد الخلق عليه الصلاة والسلام بين أصحابه وفي بيته بين أسرته وأزواجه، وفي شأنه كله، مع إيجاز في العبارة غير مخل، واختيار موفق، فمر بأوقاته كلها فتحدث عنه في أنوار الفجر، وفي صباحه، وما يجري في مجلس أو مجالسه وأوقاتها، ومشيه في الأسواق وتنقله في جنبات المدينة المطيبة به – صلى الله عليه وسلم – وزياراته، وعيادته المرضى، وتريضه في البساتين وتنزهه، وسيره إلى مسجد قباء وأمسياته، ومجلسه بعد العصر وكيف يتصرف في وقته بعد الغروب، وكيف كانت لياليه، وقيامه الليل وخطواته في سكون الليل لزيارة البقيع، وإغفاءته في السحر وقبل صلاة الفجر، ثم عقد لقراءة ذلك كله بحثًا تناول فيه مراده بهذا السرد وخلص فيه إلى نتائج هامة منها أن اليوم النبوي هو الوعاء الزمني للإنجازات الكبرى التي تحققت على يدي النبي صلى الله عليه وسلم ومنها شدة وضوح حياته صلى الله عليه وسلم ومكانة الصلاة والاستغفار في حياته واجتهاده في العبادة، والتوازن في أداء الحقوق والتوازن في استيعاب مناشط الحياة، كما أن حياته عليه الصلاة والسلام، مزدحمة وحافلة، ولكنها في ذات الوقت غير متوترة ولا مرتبكة، كما أنها مرتبة وليست رتيبة، وفيها عفوية وبساطة بعيدة عن التكلف أو الجدية الصارمة، وفيها قوة العاطفة الزوجية، وفيها التفهم لفطر الناس وحاجاتهم، ثم يختم بأن في واقع حياته اليومية مشهد من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ما أن يطلع عليها أحد إلا ويعلم أن هذا حال نبي مرسل من الله يتنزل عليه وحيه، ليس بمنقول في دعواه، ولا طالبًا حظًا لنفسه، ثم من قرأ سيرته علم أنه كان يعيش حياة طيبة سعيدة والأهم من ذلك أن الرحلة معه في سيرته عليه الصلاة والسلام مدد في قلوبنا لحبه، وتزيدنا إيمانًا بشريعته، وتثبتنا عليه، وتلك غاية الكتاب، الذي وفق مؤلفه إلى ما أراد به فهنيئًا له هذا الحب، ولعله يزرعه في قلوب من يقرأون كتابه، وأنها لأعظم غاية، وفقنا الله جميعًا لمحبة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه إنه سميع مجيب.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …