يكثر في زماننا حديث ممجوج بتبديع بعض المسلمين لقيامهم بعبادات مشروعة، كالذكر والصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأعمال يكثر الحديث عنها مثل ليلة النصف من شعبان، وما ورد فيها من نصوص، يفسرها بعضنا بما لا تدلُّ عليه نصوصٌ شرعيَّة صحيحة، أو تأول أحاديث بما تهوى الأنفس، ويبقى أن العمل التعبدي الذي شرع نظيره لا ينهى عنه بتصورات لا تعتمد على نصٍّ شرعيٍّ، وإنّما تعتمد على أقوالٍ لا يدعمها دليلٌ، وتجد من يبحث عمَّا تكنُّه صدور المؤمنين بالله إذا اقتدوا بعلماء لا ينكر علمهم، ولا يتَّهمهم عاقلٌ بابتداع، أو خروج عن نصوص الشرع، بأنَّهم إنَّما يريدون مخالفة الدِّين، وأن ما يفعلون بدعة، وكلما أطلَّت على الناس أيامٌ من أيام الله، فيها ذكرى لانتصار هذا الدِّين الحنيف، وفرح به أهلها كدَّر عليهم فرحهم مَن جاء يزعم أن فرحهم بهذا أمر بدعة لا تصح، وما بيده على ما يقول دليل صحيح، وإنَّما هو اجتهاد قد أخطأ فيه، وهو يصرُّ عليه كل عام، وليته عندما يصر عليه، لا يتَّهم إخوانه بالابتداع، وأمر الابتداع في دين الله بما يأذن الله فيه عظيم، ولكن المسلم إذا صام يومًا في منتصف شعبان لم يبتدع حتمًا، فالأدلة متوافرة على أن شهر شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم فيه، وكان أشياخنا -رحمهم الله- يكثرون الصوم فيه، بما فيه يوم النصف منه، فلا يخرجه من سنيَّة صومه أن بعضًا ينهى عن ذلك، وأيامنا في السنة كلها صالحة للصوم إلاَّ ما نهى الله عنه، كيومي العيدين، أمَّا أن ينهى عن صيام يوم محدد لم ينه الله عن صيامه كيوم النصف من شعبان، فهو في الحقيقة البدعة التي لا يمكن الاستشهاد عليها بدليل صحيح، وكل ليالي السنة صالحة للقيام بعبادات، لا يمنع دليل من الشرع أن يخص ليلة منها بقيام؛ لاعتقاد أنَّها فاضلة دليل شرعي صحيح، فمن يحيي ليلة النصف من شعبان بصلاة وذكر وتلاوة لا يمكن وصف عمله بأنَّه بدعة، ولا دليل ينهى عن هذا الإحياء الذي هو في أصله مشروع، وهي ليلة مباركة، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك ومنافق)، وقد ورد في فضلها كثير من الأحاديث، ولو ضعف بعضها، فهي ليلة يغفر الله فيها لعباده ما أحسن أن يطلع عليها وهم قائمون يصلون، أو يذكرونه، أو يتلون كتابه، فما الذي يجعل أحدهم ينهاهم عن فعل ذلك؟ وما أظن أن أفعالاً كهذه ينهى عنها أبدًا، أمَّا أن يبحث في صدور الناس عمَّا قصدوا بفعل العبادة أهو مخالفة للدِّين أو تشريع ما، لم يشرعه الله، فلا وجه له هنا، وما أكثر مناسبات النهي عن أفعال هي ممَّا شرع الله لعباده، ولا دليل ينهى عنها، تتكرر كل عام، والناهون عنها يعلمون أنَّ قولهم بالنهي عنها غير صحيح، ولا يدعمه دليل شرعي صحيح، فليتنا نكف عن مثل هذا، وفقنا الله لما يرضيه عنا.