أما أن محتسبين أو أدعياء احتساب يحشدون جهدهم في أيام الأعياد ليعترضوا على كل فعالية يراد بها نشر الفرح فإن هذا ينشر بين الناس لونا من الاكتئاب..!
العيدان في الإسلام هما عيدان مرتبطان بركنين من أركان الإسلام, فعيد الفطر هو عيد يفرح به المسلمون لتمام أدائهم هذا الركن من أركان الدين الحنيف “الصيام”, وهو فريضة عظيمة الأجر فيها غير محدود, فالله قد اختص به فقال (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به), هذه العبادة التي تستدعي معها كل العبادات ذكر وتلاوة وقيام ليل, وحفظ لسانٍ وصونه من كل قول قبيح, هذه العبادة تستحق شكرا لله بأن أتمها لعباده وتفضل عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار, والمسلمون يظهرون الفرحة بها لقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (للصائم فرحتان إذا أفطر فرح, وإذا لقى ربه فرح بصومه) ومن فرحه العظيم بيوم الفطر شكره لله أن أعانه على الصيام, وينتظره يوم فرح أعظم, حيث يدخله الله الجنة -إن شاء- من باب لا يدخل منه إلا الصائمون, وهذا الفرح إنما يتم في الدنيا فلا بد وأن ينتشر بين كل الناس, يساعد بعضهم بعضا, لذا فرضت عليه زكاة الفطر والتطوع بأكثر منها محثوث عليه في الشرع, حيث لا يبقى بين المسلمين ما تغطي الحاجة على فرحه, ومظاهر هذا الفرح لا شك بمواصلة العمل الذي كان في رمضان, والكف عن المعاصي كلها, كما كان أمره في رمضان, ولكن أيام العيد محدودة, والفرح فيها لكل الناس مطلوب, فلا أحد يستحضر لهم في أيام فرحهم ما يكدر عليهم هذه الفرحة المشروعة, فإنما شرع العيد لذلك, فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة وجد لهم يومين يلعبون فيهما, يقول سيدنا أنس -رضي الله عنه-: (قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى), وقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وقد انتهر جاريتين في بيت عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا, وإن اليوم عيدنا), وروت عائشة -رضي الله عنها- أنه قال: (لتعلم يهود المدينة أن في ديننا فسحة, إني بعثت بحنيفية سمحة), فلكل أمة عيد تفرح فيه وتسعد, فيلعب فيها أفرادها بفنون شتى لهم, وحتما لا يطلب في هذه الفنون ما فيه فحش أو معصية, وإنما هي تدخل على النفوس السرور من لون الترفيه البريء, وأن تقام في مناسبة العيد بعض الفعاليات كملاعب الأطفال المتعددة الألوان لإدخال السرور عليهم, أو إقامة مسرحيات لهم فيها شيء من الكوميديا الفكاهية التي تغذي الفرحة في نفوسهم, وأن تحضر العائلات ألوانا مما يدخل السرور على النفوس كالغناء الذي لا فحش فيه, والألعاب الشعبية المحببة للنفوس, أما أن محتسبين أو أدعياء احتساب يحشدون جهدهم في أيام الأعياد ليعترضوا على كل فعالية يراد بها نشر الفرح والسرور بين المواطنين المبتهجين بالعيد, فتقل هذه الفاعليات ويختفي أكثرها عاما بعد عام, فينشر هذا بين الناس لونا من الاكتئاب, فلا بد أن يتسع مجال الفرحة للمواطنين ما دام لا يخالف نصا في الشريعة قاطعا, فلا حاجة لإثارة الاختلاف حوله باجتهادات لا أدلة عليها, أو بتطبيق خاطئ لقاعدة سد الذرائع, التي لا يعمل بها إلا إذا كان ما يحرم بها من الأفعال والأقوال حتما مؤديا إلى حرام وقطعا أو أن الغالب أنه يؤدي إليه, أما ما يراه المجتهد أنه يؤدي إليه, وهو لا يؤدي إليه إلا نادرا فلا, وعلينا أن ندرك أن الذريعة إلى الحرام تسد, وتفتح إذا لم يتحقق شرطها, وإذا كان ما تؤدي إليه مباحا لا يحرم بمجرد الأوهام, خاصة إذا ورد نص بإباحته, فهذه القاعدة يتوسع في تطبيقها البعض بما يعارض بعض النصوص, لتشدده وغلوه في الدين, فالناس يختلفون طبعا نحو هذا, فبعضهم يكاد أن يكون مفطورا على التشدد فلا يرى الدين يتحقق إلا عبر التحريم, كما أن في الطرف الآخر من يرى الدين لا يتحقق إلا بإباحة كل شيء ولو ثبت تحريمه بنص قطعي, وينجو بينهما من نظر إلى الدين بموازنة بين ما أحل وما حرم بثابت النصوص من الكتاب والسنة, فلا يحل محرما أبدا, ولا يحرم مباحا أبدا, وإنما يسعى إلى أن يكون الدين بمحاسنه منهج حياة لكل مسلم, يفرح حين يكون للفرح أسباب, ويحزن حين يكون للحزن أسباب, ولا يتطرف في أحد الأمرين أبدا, فالدين يؤخذ كله, ولا ينتقى منه ما يوافق رغبات في النفوس يسعى لتحقيقها, وانما هو منهج متكامل لا تكون مسلما ببعضه بل بكله, جعلنا من المؤمنين به كله, العاملين من أجله, فهو ما نرجو, والله ولي التوفيق.