لم يعد لي ولا لغيري أن يزعم إلا مؤامرة، وهو يرى آثارها على الأرض بارزة لا يخفيها عن عين عاقل حتى غشاء رقيق..
كثرت في الآونة الأخيرة كتابات عربية لا عد لها ولا حصر تنفي أن القوى الغربية المهيمنة على عالم اليوم تسعى للتآمر على شعوب الشرق، عربية كانت أم إسلامية، وتسوق على ذلك حججا كثيرة صدقها الكثيرون وكاد غيرهم ممن لم يتأثروا بالثقافة الغربية كثيرا أن يصدقوها.
ولكن الأحداث المتوالية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى موسم ما أسماه الغرب الربيع العربي، وما أفرج عنه من الوثائق التاريخية والسياسية الغربية وما سرب من قرارات اتخذت في الغرب وعرضت على مجالس نيابية هناك، وفيها عزم على تقسيم الأوطان المسلمة والعربية، وما تم من ذلك فعلا كان الضربة القاصمة لهذا النفي المتعمد لإلهاء شعوب كثيرة آلت مقدراتها إلى يد الغرب يعبث بها كما يشاء.
ثم جاء سيل ما أعلن عنه من وثائق السفارات الغربية فيما تكتبه لدولها كوثائق “ويكليكس” والتي أبانت عن كثير من هذه المؤامرات التي تحدث لا أقول سنويا، بل لعلها تحدث يوميا.
وجاء ما سمي بالربيع العربي ليكشف عن المزيد، ولا يزال الناس يتذكرون ما ترعت به إحدى الوزيرات الغربيات عن ما تسعى إليه دولتها من إحداث فوضى في بعض اقطارنا العربية اسمتها “الفوضى الخلاقة” وهي فوضى مدمرة حدثت فعلا في العراق وافغانستان، وهي اليوم تفتك باليمن وتلحقه ليبيا.
ولم يعد لي ولا لغيري أن يزعم إلا مؤامرة، هو يرى آثارها على الأرض بارزة لا يخفيها عن عين عاقل حتى غشاء رقيق.
ووطننا العربي اليوم لا يحسد على ما يجري على أرضه من حروب أهلية، ومن تفشي جماعات متطرفة سمتها العنف الدامي تفتك بكثير من أقطارنا، وتهدد أقطارًا أخرى، ويمهد لها بمطالبات غربية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
الديمقراطية كآلية للاختيار والحكم تطمح إليها الشعوب وهي آتية لا محالة في كثير من الأوطان العربية لو ترك الأمر لأهلها لإصلاح أوضاعهم وتطبيق هذه الديمقراطية بما يتلاءم مع أفكارهم التي تتبلور في حراك رسمي وشعبي نرجو أن يتواصل حتى يصل للصورة التي يرتضيها الجميع هناك.
ذلك أن منح الشعوب ديمقراطية عبر غزو لها ثقافي وعسكري لم ينجح أبدا، فقد استعمرتنا بعض دول الغرب، وهي ديمقراطية في داخلها فما نقلت هذه الديمقراطية لمستعمراتها خشية أن تنتفض شعوبها عليها، وحكمتها بالحديد والنار.
وهي ذات الدول التي تنادي بالديمقراطية في شرقنا بأساليبها التي لم تؤد إلا لضياع الأمن في معظم بلداننا والاحتراب فيما بيننا وكأن هذا هو وحده الغاية التي تسعى إليها دول الغرب لا غير.
ودول الغرب التي لم تستقر إلا عندما حكمها قادة عسكريون تخلوا عن وظائفهم العسكرية، ثم رشحوا أنفسهم رؤساء جمهورية أو رؤساء وزارات في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية هي اليوم التي تزعم أن مثل هذا انقلاب عسكري، فكل ما يدرأ به عن بلداننا الفوضى التي أسموها خلاقة ستكون في نظرهم طريقا غير ديمقراطي ويجب أن يواجهوه بكل قوة وأن رضينا بهذا أسلمنا أوطاننا لما لا يراد لها من تقسيم وإشاعة فوضى في أنحائها حتى لا تعود قادرة سوى أن تسلم قيادها لهم يصنعون بها ما شاءوا.
وكفانا جهلا أن نغتر بهذا، بل علينا أن نبحث عما يصلح أوضاع بلداننا وأن نجتهد لأنفسنا كيف ننقل لبلداننا المفيد من أوضاعهم السياسية، وأن نحرص كل الحرص على ألا نأخذ عنهم ما فيه الإضرار بنا ما دمنا قادرين على التمييز بين الضار والنافع، فهل نفعل؟.. هو ما أرجو والله ولي التوفيق.