كل اختلاف قد يسوغ إلا اختلافًا يقود إلى إخراج بعض المختلفين من الملّة
حينما ظهر على السطح تأييد للإخوان في بلادنا صراحة, خاصة بعد أحداث 30 يونيو 2013م, وصدر بيان وقع عليه حشد من الإخوة السعوديين الذين جلهم ينتظمون ضمن هذا التنظيم, الذي بدأ سريًا وعاش أكثر من ثمانين سنة يحرك بعض الأحداث من وراء ستار, ونشر له عبر العالم خلايا تدعو إلى أفكاره في أكثر من 75 دولة عبر العالم, وحشد من الثروات قدرًا كبيرًا لا يعلم سوى الله عزوجل مقداره, يصرف جزء منهم لتجنيد الأتباع, خاصة من العامة الأميين وشبه الأميين, وكنا نظن أن هذا الوطن بما له من ثقافة إسلامية راسخة لا تعرف هذا اللون من التحزب في جماعات, تبنى لها أفكار عبر الزمن تدعي أنها إسلامية ولو خالفت أصول الدين وفروعه, وقرأنا وسمعنا لهؤلاء الإخوة أحاديث فيها الكثير من الادعاء أن هذا الفكر الإخواني هو الإسلام, وأن كل مخالف له أو لا يرضاه هو ضد الإسلام محارب له, وانطلقت الألسنة والأقلام في كل من لا يناصر الإخوان تبدأ بتصنيفه ثم الحكم عليهم بما شاءوا أن يحكموا به من نفاق أو علمنة أو لبرلة مما يدخل في حسابهم أنه مناقض للإسلام, فإن قلت أن لكل إنسان الحق أن يبدي رأيه, ولكن ليس من حقه أن يزعم أنه وحده على الحق وغيره على الباطل وأن من لا يدافع معه عن الإخوان ولا يرتضي طرائقهم هو على باطل, قال لك كذلك غيرهم من هذه التيارات التي تدعي الانتماء إلى الإسلام وتسمي نفسها إسلامية, تفعل نفس الشيء وأخذ يتحدث عن جماعات أخرى لها نفس الأسلوب وكأنه يرى في وجود هؤلاء مبررًا للإخوان ومؤيديهم فيما يقولون وأن كل اختلاف معهم أنه اختلاف مع الإسلام, وهذا تبرير رديء جدًا, مثله مثل الذي يشرب الخمر ويبرر فعله بأن كثيرين غيره يسيغون شربه, وكل اختلاف قد يسوغ إلا اختلافًا يقود إلى إخراج بعض المختلفين من الملة مع ما يترتب على ذلك من فتن تتوالى بعد ذلك, ولاشك أن الرغبة في الوصول إلى الحكم إذا دعتك إلى تكفير كل من عارض هذه الرغبة, فتلك كارثة, لعلها هي التي أدت إلى إخراج الإخوان من سدة حكم مصر, وإخواننا هنا المدافعون عنهم يعلمون يقينًا أن الفكر الإخواني في بلاد كبلادنا مستحيل أن ينتشر, وطمعهم في نشره في بلادنا لون من عدم فهم الواقع, والثقافة السائدة في هذا البلد الطيب التي يعتز بها أفراده, وهم أصلًا لا يرون في هذه الجماعات المتأسلمة من يصلح حتى للوظائف العامة, لما تمتلئ به نفوسهم من كراهية لعامة الناس لأنهم افترضوا ألا أحد على الحق سواهم, وهذا اللون من الفكر جربه المسلمون منذ عصر الراشدين, يوم أن ظهرت فرقة الخوارج, التي حاولت الوصول إلى الحكم عبر السنين وفشلت, وكلما تكرر لها ظهور في عالمنا المسلم تفشل, لأنها قامت على التكفير ثم القتل دومًا, فكرههم الناس وعلموا أن وجودهم في مجتمعاتهم المسلمة إشاعة للفتن, لهذا ظلوا على مر الزمان يقبلون نصيحة سيد الخلق المصطفى, فما أن تظهر لهم جذور إلا وقضوا عليها, حتى تسلم الحياة في أرض الإسلام من الفتن, ورغم أن هذا الذي حدث في مصر أنبأ عن خطورة هذه الجماعات وفكرها الملوث بالعنف والتكفير, والذي ظهرت حقيقته واضحة جلية في أحداث مصر, ورأينا منه جزءًا من المدافعين عنهم, وخاصة هؤلاء الذين أبرزوا أنفسهم كمنتمين إليهم عندما احتدوا في الدفاع عنهم ووزعوا التهم على كل من لم يوافقهم على ذلك من أبناء وطنهم وخارجه, بل رأينا في دفاعهم ما تجاوز دفاع الأصل عن جماعته, وتوجسنا منهم خيفة على أبنائنا أن يبثوا هذا الفكر المريض بينهم, خاصة وأن بينهم من سمى نفسه داعية, وله أتباع ومريدون ويلقن شبابًا يتابعونه دروسًا في المساجد, وخارجها, فكل فكر يدخله عنف اللفظ يخشى منه أن يتطور إلى عنف السلاح, ومن يرى الناس قد خالفوا الدين أو أنهم يعيشون في جاهلية بزعمهم لاشك أن مثل هذا يقود إلى أن يكرههم ويتمنى لهم الزوال, وقد يستبيح بعد ذلك دماءهم وأموالهم, وكل جماعات العنف نشأت هكذا, جماعة سرية ثم تقوى لتكون جماعة علنية, ثم تجهر بفكرها شيئًا فشيئًا, حتى إذا وجدت لها ثغرة تمددت داخل المجتمع, ولولا أن بلادنا قد حصنها الله من هذه الجماعات, لما وجدت الوقت لتبني مجتمعا متماسكًا, سيظل بإذن الله متماسكًا يأبى حكامًا ومواطنين أن تبث فيه فتن بين أهله, فهو البلد الذي أضاء منه الإسلام على أرجاء الأرض كلها, ونقل أهله الإسلام إلى أقصى أرجائه طامعين في رضوان ربهم وخدمة دينه, فاللهم احفظ وطننا من كل سوء فهذا ما نرجوه والله ولي التوفيق.