تتوه الكلمات في زمن الزيف

إن الكلمات والعبارات في زمن الزيف الذي نحياه اليوم تتوه، ولا يعود لها من المعاني ما كانت تؤديه من قبل، فإذا كانت الأمانة مثلاً -كما تعني- ألا تفرط فيما أؤتمنت عليه من كل شيء، لا من الأموال فقط، بل ومن المواقف تجاه نفسك والآخرين، وتجاه الوطن، بل وتجاه الأشياء في هذه الحياة جماداً كانت أم معانيَ، فإن الخروج عن هذه المعاني هو تزييف للحقيقة.

أنت لابد وأن تحرص في الحياة على كل معنى إنساني نبيل، يرقى بالوطن وبالإنسان الذي يحيا فيه، وتجد من العبارات الرصينة ما تعبر به عن ذلك، وتدعو الآخرين لاستعمالها، ولا تكن ممن يردد من العبارات ما يعلم إذا ما سمعه أنه يهدم معاني نبيلة في الحياة، ولا يحافظ عليها. نعلم أن في الحياة معاني تسمو بها، ولا يمكن لأحد مهما كان قدره أن يحط منها، أو يزيفها أو يدعو لتركها، ظناً أنه فاق الناس كلهم فهماً لها، فحب الوطن يعني صونه من كل العبارات التي تحط من قدره، وتوهم الناس ألا قيمة له، وهي عبارات خادعة، بل هي شر في حد ذاتها، لأن الحفاظ على الأوطان من مهمات البشر الذي يحيون على أرضها، ويتعاونون في سبيل أن تبقى محاطة بكل معنى راقٍ جميل. والدين معنى أرقى من أن يتحدث عنه من علمه ومن لم يعلمه، ولا أن يقرر أحكامه كل أحد، وهو في الحقيقة لا يدري ما يقول، والأخلاق جزء من الدين، لا يمكن لأحد أن يدعى ألَّا علاقة لأحدهما بالآخر، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليتم للناس مكارم الأخلاق، وكل البشر يدرك ما يعني هذا المصطلح، فالصدق من مكارم الأخلاق، كما أن الكذب من الرذائل لا يشك أحد في هذا. الأمانة في المال والمواقف الانسانية داخل الأسرة وفي المجتمع من مكارمها، والغدر والخيانة من الرذائل ولاشك، وتركها واجب ديني ووطني لابد وأن ندعو اليه، ونحرص على أن يفهمه الناس فهماً واقعياً وينتهوا عن كل الرذائل، وأن يعلموا أنهم إن لم ينتهوا فهم يهدمون الحياة في مجتمعهم وأنهم إن انتهوا بنوا لمجتمعهم حياة كريمة فاضلة تقودهم لما يريد الله منهم. نحن في هذا الزمن نلمس في كل اتجاه اليوم انحداراً للقيم الفاضلة، ونرى أنه حل محلها قيم سالبة واضح خطرها إن لم نسعَ للدعوة أن نتوقف عنها وإلا فإنا ندفع مجتمعاتنا الإنسانية والمسلمة خاصة إلى انحدار سريع نحو المهالك، فما بعث الله الرسل وأنزل الكتب إلا من أجل أن ترقى الحياة، ويمنع فيها كل ما يحط من قيم الحياة والدين، فالله يقول: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزيز)، وكل محاولة لإبعاد رسالات الله عن الحياة دمار لها ولاشك، وإن لم يدرك كثير من الخلق ذلك.

فالرسالة الباقية الخالدة هي رسالة سيدنا محمد إمام الرسل وخاتم النبيين، فالله يقول: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: