نظل نتطلع إلى تحديث عام للجهاز الحكومي كله بحيث نوحد الجهات ونجعل لها اختصاصات محددة إن قامت بها استحقت الثناء والتكريم وإن قصرت فيما أوكل إليها من مهام حوسبت على ذلك.
لدينا في المملكة ظاهرة إن لم ننتبه لها فقد تؤدي إلى مشكلات قد يصعب فيما بعد حلها، هي تعدد الجهات الحكومية المسؤولة عن شأن واحد، فالشأن الديني مثلًا تتعدد الجهات المشرفة عليه، بدءًا من دار الإفتاء التي لها حق في حصر الإفتاء عن المسائل الكبرى الدينية فيها، إلا أنها بهذا يشاركها في الإفتاء كثيرون، وهي تعد البحوث في قضايا هامة يطلب منها الرأي فيها، إلا أن هناك جهات أخرى تشاركها هذا الأمر، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف المتبادر إلى الذهن من مسماها أنها تعنى بالشأن الديني كله مع إشرافها على الأوقاف وهي مهتمة بالدعوة والإرشاد وإعداد البحوث، وتشرف على منابر الدعوة خاصة المساجد والجوامع، إلا أن غيرها يشاركها في بعض اختصاصاتها، حتى الأفراد قد يمارسون بعض اختصاصاتها دون وجل أو إذن منها.
ثم يأتي دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي منذ نشأتها لم تحدد لها اختصاصات محددة، فهي تشترك مع كثير من الجهات، حتى أنها لها اختصاص بالإشراف على المسالخ المسؤولة عنها البلديات، ثم هي تمارس اختصاصات لوزارة الإعلام عبر الاعتراض على بعض أنشطتها، وملاحظة بعض المطبوعات، ثم هي تشارك الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء في ضبط بعض المجرمين ومرتكبي الجنح وما تسميه المخالفات الشرعية، بل وتتابع الجرائم الإلكترونية، بل ومؤخرًا تقوم ببعض مهام مركز الحوار الوطني، وهي لا تقف عند حد، حتى قال بعضهم كأنها في النهاية ستستأثر بكل اختصاصات الجهاز التنفيذي الحكومي.
ثم لدينا جامعات إسلامية كجامعة الإمام، والجامعة الإسلامية، وكليات للشريعة والدعوة في عدد من جامعاتنا، تمارس عملًا في الشأن الإسلامي تمارسه الجهات الإسلامية الأخرى.
ثم يأتي دور القضاء وهوعندنا قضاء شرعي، كان ولا يزال يمارس أدوارًا في الشأن الإسلامي ليست من اختصاصاته.
وهذا التعدد والتداخل ينتج عنه الكثير من المشكلات، ويجعل المواطن في حيرة من أمره أين يتجه في قضاياه الحياتية المرتبطة بهذا الشأن.
وهذا كله يعود إلى واضعي الأنظمة في بلادنا، فتشريع الأنظمة يحتاج إلى علم بالشريعة والقانون مع اختصاصات أخرى تخص كل جهة يوضع لها نظام، بحيث تراعى في الأنظمة ألا تتعارض وألا تتداخل، وتحدد فيها بدقة تامة اختصاصات كل جهة حكومية، حتى يعرف المواطن إلى أي جهة يتجه لتحقيق مطالبه والحصول على حقوقه.
كما أن تعدد الجهات في الشأن الواحد يترتب عليه أن تتداخل اختصاصاتها وتتعارض، وكان يمكن أن تضم إلى بعضها في جهة واحدة، يسهل عليها متابعة هذا الشأن الذي كلفت به، ويسهل على المواطن مراجعتها، وتوفر في الإنفاق العام.
فنحن الدولة الوحيدة التي تتعدد فيها الجهات الدينية كهذا التعدد، والذي سبب اضطرابًا في الحالة الدينية، وأصبح الناس لا شأن لهم إلا التحدث فيه بعلم وجهل، وتعددت الفتاوى وتضاربت، وظهر محتسبون متطوعون أكثرهم إما مقال من وظيفته لارتكابه أخطاء، وإما لا علاقة له بالعلم الديني وهومتطفل عليه، ورأيتهم يجوسون خلال الديار يثيرون بين الناس الجدل العقيم الذي لا ينتهي إلى غاية.
ونظل نتطلع إلى تحديث عام للجهاز الحكومي كله بحيث نوحد الجهات ونجعل لها اختصاصات محددة إن قامت بها استحقت الثناء والتكريم وإن قصرت فيما أوكل إليها من مهام حوسبت على ذلك، ولم يترك لأحد التمدد بالجهاز الذي يشرف عليه للقيام باختصاصات ليست من اختصاصاته، فالنظام الحكومي إذا لم يكن منضبطًا محددة مهامه، فإن جدواه تقل، وينتج عن ذلك تعطل مصالح المواطنين، التي هي مهمته الأولى والأهم، فإذا اضطربت شكى الناس منها.
كما أن كثرة التعميمات وتضاربها في الجهاز الحكومي يؤدي إلى تعطيل كثير من مهامه التي يجب أن يقوم بها لمصلحة الوطن والمواطن، وفي بلادنا من الأنظمة ما مرّ عليه عقود لم يراجع، ولم يحدث بحسب الأوضاع المستجدة، وهو أمر لابد من التنبه له، وأن يعهد إلى الجهة المشرعة أن تعيد النظر فيه وتحدثه حتى يمكن أن يحقق المصالح المعتمدة، والتي لابد من تحقيقها لعزة هذا الوطن وأهله.
وما هي إلا خطرات مرت بالذهن عبر معاناة طويلة مع ما يعانيه الناس وأنا واحد منهم، فإنما أردت الإصلاح، وهو رأي طرحته إن كان فيه الخير للوطن وأهله فهو ما أرجو، وإن كان ليس فيه إلزام لأحد بما جاء فيه فمن لم يعجبه فليصرف النظر عنه والله ولي التوفيق.