الكثيرون من أمثالي ممن صلتهم بالعلوم الإسلامية وثيقة يعلمون أن مكتبات الجامعات عندنا تزدحم برسائل كثيرة في علوم نظرية، الكثير منها إذا اطلع المتخصص في العلم الذي بحثت هذه الرسائل فيه عليها يجد ألَّا جدوى للعلم الذي كتبت أبحاثها حوله، وأنها أصبحت في مكتبات الجامعات مهجورة، فقط تزين الرفوف، ولا يقرأها أحد، وقلَّ أن يجد الباحث في العلم الذي زُعم أنها تنتمي إليه ما يلفت نظره إليها، أما أن يجد بعض مطلوب أبحاثه فيها لتساعده في إنجازعمل علمي فلا.. وطبعاً هذا القول ليس على إطلاقه فلاشك أن بعض هذا الكم المتراكم من الأبحاث الجامعية النظرية له جدوى، ويرتفع الحكم عليه أحياناً إلى كونه بحثاً مبدعاً وذاك النادر، فلدينا في العقائد رسائل ماجستير ودكتوراه تبحث في اختلاف الفرق الإسلامية، التي أكثرها اليوم قد اندثر، وحقيقة المعلومات التي جُمعت من أجل الرد عليها غير موثوق بها، وكثيراً ما تكون متعارضة إذا طرحت معاً، ودون البت في أنها موثوق بها وعلى ذلك أدلة واضحة،بل ان بعض تلك الفرق التي يُرد عليها بعنف، لا كتاب ألفه أحد من أهلها أراد به نشر ما يؤيد به أقوال فرقته، بل إنه اذا تعقب في سائر المصادر لم يوجد لأهلها قول ثابت موثوق به يمكن مناقشته. تحكمت في هذه الرسائل أفكار ظن أصحابها انها تخدم هذا الدين الحنيف، الذي ندين الله به، والحقيقة، إن بينها وبينه بوناً شاسعاً لم يعلمه باحثوها ولا من أشرف عليهم، ومع ذلك تُطبع لتزدحم بها رفوف المكتبات، ولا تجد طالب علم يقرأها ويشير في بحث له عنها، إلا إن كان على سبيل تهوين ما كتب فيها والتحذير منه. وأنت تجد رسائل أُلّفت في القدح في أحد الأئمة الأربعة المتبوعين بصورة فجة بعيدة كل البعد عن التحقيق العلمي، وبعيداً عن الالتزام بآداب الدين ومقاصده، بل إن بعضها فيها تكفير صريح لهذا الإمام، أو ينسب فيها التكفير إليه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تجد ما يثبت أن دعوى نسبته إليه صحيحة، والأمر جدُّ عظيم.
ولابد أن يوجَد من العلماء من يرفع الظلم عن الإمام أبي حنيفة النعمان، وأن يوجَد من ينصفه جهراً ودون أي تردد، ولا شيء من خوف الذم من هؤلاء الذين نصَّبوا أنفسهم له أعداء، فما تركوا شيئاً من سيرته إلَّا وشوهوه عمداً. وتجد دون ذلك إساءات كثيرة بعيدة عن البحث العلمي الرشيد الى بعض العلماء الأفذاذ في علوم الشرع مثل الإمام النووي، والإمام ابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى. لقد آن الأوان لرفع الظلم عن علماء الأمة.