ما يهمنا هو أن يختفي النقص في جميع مؤسساتنا الطبية وألا تتكرر فيها الأخطاء الطبية عبر مراقبة دقيقة لها ومحاسبة جادة للعاملين فيها
إن وقوع الأخطاء الطبية في المنشآت الطبية الخاصة أوالعامة أمر عادي إذا كانت نسبته طبيعية في نظرية احتمالات، تقود إليه ظروف في الأعم الأغلب خارجة عن إرادة الطبيب، لم يعمدها ولم تنتج عن إهمال منه أو من العاملين معه، وهي تقع في كل أرجاء العالم، ولكن حتمًا أن الأخطاء التي تقع في مستشفياتنا الكثير لا مبرر له سوى إهمال وقصور واختلال.. ولا أقول إن هذا فقط في المستشفيات الخاصة، التي قد يكون بعضها سهلاً محاسبته، وغيره قد لا تصل إليه المحاسبة، بل والمنشآت التابعة لوزارة الصحة ووزارات أخرى لا تصلها المحاسبة، فدعونا نناقش حال منشآتنا الصحية خاصة منها من يراجعها العامة، وهم أكثر أفراد المجتمع، الذين دخولهم لا تكفي أن يجدوا العلاج بثمن فيتوجهون إلى المستشفيات العامة، فلا يجدون دواء، ولا يجدون عند الحاجة سريرًا يتمرضون عليه، مستشفياتهم لا تكفي أعدادهم، ومواعيد الأطباء فيها متباعدة، وحتى ما كان يسمى منها تخصصيًا أصبح بعضها كالمستشفى العام، والأخير أدنى من المركز الصحي، وقد أصبحت المراكز في جلها صورة مشوهة للخدمة الطبية، وتراجعت الخدمات في منشآت وزارة الصحة استمر سنوات ولا يزال، والأخطاء الطبية فيها كثيرة مستورة، لا يحاسب عنها أحد، ولو أن الوزارة راقبتها لوجدت من هذه الأخطاء الكثير، وإذا وجدتها فسنرى ماذا ستقوم به تجاهها؟، والحقيقة التي أزعجت الناس أن المستشفى الذي أغلق لخطأ طبي -كانت قد وقع- فيه مثل هذا الخطأ لعدد من المرضى ولم يواجه بمثل هذا الإجراء، فلما كان من وقع له الخطأ ابن رجل ذي مكانة في المجتمع وجه بهذا الإجراء، ورغم أننا نقدر والد الطفل ونعزيه بوفاة ابنه، ولكن الإجراء المفاجئ جعل الناس يتساءلون.. ما شأن من سبقوه وتوفوا إثر خطأ طبي في ذات المستشفى؟، ولماذا لم يلتفت لحوادثهم؟، ولهم ولا شك الحق في ذلك، ولكن من توفى له ابن تحت خطأ طبي لا يلام إن طالب بحق ابنه، وإنا لنسأل الله عز وجل له أن يربط الله على قلبه فيصبر على قضاء الله وقدره، وأن يجعل طفله فرطًا له يأخذ بيده إلى الجنة بعد أن يشفع له، وكذا كل من فقد له طفلاً أو طفلة في السن الصغيرة وحزن لفقده، وأما ما تقوم به وزارة الصحة اليوم وما تعلن من أنها تغلق منشآت طبية بناءً على ما رصدته فرق التفتيش فيها كالمنشآت التي تعمل دون ترخيص أو بتراخيص منتهية، أو أنها تشغّل كوادر غير مرخص لها بمزاولة المهن الصحية، وإن كنا نتساءل كيف يسمح لمستشفى أو مركز عيادات طبية وهو لم يحصل على ترخيص؟ أو أن يبقى يعمل مدة ليست يسيرة بترخيص لم يجدده، والأهم كيف لا نكتشف بسرعة الكوادر غير المرخصة؟، إلا أننا نشد على يدها فيما تفعل، كذلك من أجل نقص في التجهيزات الطبية، أوعدم وجود الحد الأدنى من الاستشاريين في المستشفى أو المجمع الطبي، وقد أصدرت الوزارة قرارات بإغلاق خمسة مستشفيات ومجمعات طبية في الرياض لهذه الأسباب، كما أن قرارات الإغلاق طالت خلال سنة مضت شملت ثلاثة مستشفيات، وثلاثين مجمعًا طبيًا وخمسة عشر مستوصفًا وسبعة وعشرين مركز بصريات ومركز علاج طبيعي، وهذا إجراء تحفظي حتى تحسّن أوضاعها وتطبق معايير الجودة المطلوبة في هذا المجال، ونحن نؤيد الوزارة في هذه القرارات إن حدثت فعلاً، وما نراه في عرض البلاد وطولها في المؤسسات الطبية الحكومية والخاصة من نقص وإخلال بالخدمات يجعلنا ندعوها إلى مزيد من الحرص والمتابعة المحاسبة، ولا يمهنا أن تكون المخالفات قد جمع منها مبلغ ثلاثة ملايين وسبعمائة وأربعة وخمسين ريالاً أو أكثر أو أقل، إنما الذي يهمنا أن يختفي النقص في جميع مؤسساتنا الطبية، وألا تتكرر فيها الأخطاء الطبية، عبر مراقبة دقيقة لها، ومحاسبة جادة للعاملين فيها، فهذا وحده هو ما يعيد الثقة بهذه المؤسسات، التي نهمس للوزارة أن كثيرًا منها لم يعد يثق به المواطنون، فالميزانية التي تحصل عليها وزارة الصحة هي من أعلى ميزانيات الوزارة، وهذا يمنحها القدرة على أن تنشئ جهاز رقابة كفؤ وقوي، كما يعطيها الفرصة أن تحسن خدمات مستشفياتها عامة وخاصة ومراكز صحية ومعامل مركزية، وألا تتعاقد إلا مع الأكفاء من الأطباء والفنيين والمساعدين والممرضين والممرضات، وألا تقبل أن يعمل في المؤسسات الأهلية الطبية إلا مثلهم، وأن يكون عددهم مكافئًا لعدد المرضى المراجعين، حتى يجد كل مواطن تعرض للمرض العلاج المناسب والسرير حينما يضطر لدخول المستشفى، هذا هو ما يجب أن تسعى إليه وزارة صحتنا العتيدة وهو ما نرجوه منها والله ولي التوفيق.