يتباهى كثير منَّا بأننا نلتزم بأحكام الإسلام، ويظنون جهلاً أنه يكفي لتباهيهم بذلك أن يكون المظهر -كما يقولون- إسلاميًّا في شكله العام وملبسه، وقد يتزيّد البعض فيُلزم الناس في هذا المجال بما لم يُلزمهم به الله، وينسى أن الله عز وجل أوجب عليه في المعاملات أحكامًا إذا لم يلتزم بها نقص إيمانه، وإن أتى بضدها أثم وعوقب، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وألزم المؤمن بالعمل الصالح، فالله يقول: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، ولا أحد يخصص العمل الصالح المطلوب من المؤمن أنه فعل الشعائر فقط، من صلاة وزكاة وصوم وحج، فالعمل الصالح هو العمل الذي يرضاه الله، سواء أكان من هذه الشعائر، أو ما أوجبه الله وحثّ عليه في ميدان الأعمال، وفي المعاملات، فقد جاء في الحديث ما يصف هذا بدقة، حيث يسأل سيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بقوله: أتدرون من المفلس؟ فيقولون: المفلس مَن لا درهم له ولا متاع، فقال مُصحِّحًا لهم: (إن المفلس مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فُنيت حسناتُه قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم يُطرح في النار)، فالإفلاس الحقيقي هو ألا يلتزم المؤمن بأحكام الله في الجانب الأهم من حياة عيشه بين الناس وتعامله معهم، والطاعة بفعل العبادات والشعائر لا تكفي وحدها للنجاة، وإنّما أن تكون علاقاته في الدنيا مع من يتعامل معهم علاقات راقية، فإن عمل عملاً وجب عليه شرعًا أن يتقنه، ولن يتقنه إلاَّ إذا علمه وحصل على خبرة فيه، أمّا الادّعاء بأنه يستطيع أن يُتقن العمل، ولم يتخصّص فيه، ولم يُمارسه، فلن ينجيه أنه حاول، ولذا سنجد في النصوص ما يحث على اتقان العمل وإحسانه، وتطويعه لمصلحة المجتمع، فسيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللهم من وُلِّيَ من أمر أُمّتي شيئًا فشَقَّ عليهم، فأشقق عليه، ومن وُلِّيَ من أمر أُمّتي فرَفَقَ بهم، فأرفق به)، فالصلاح في العمل هو أن يتقنه من يتولاه، فإذا أتقنه فهو لا شك سيُرضي كل من استفاد منه، وإذا لم يتقنه وتولاه وهو أقل الناس علمًا، وليس له خبرة أصلاً في مجاله، فلا شك أن أخطاءه ستتوالى، وسيضر كل من يتعامل معه، وإن كان خلوًا من فضائل الأخلاق، فسترى الأضرار تتعاظم، لذا وجب متابعة كل من يتولى عملاً له علاقة بجمهور الناس، وانظر لما يقول سيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من وُلِّيَ من أمر المسلمين شيئًا فولَّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله)، وفي رواية: (مَن قلّد رجلاً عملاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين)، ومن يُراجع مَا كُتب في الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية سيجد من هذا الكثير، الذي لا يُبرزه كثير من الوعاظ والدعاة والكُتَّاب، فلعل الإصلاح في مجال الأعمال له آثارٌ كبرى في حياة المسلمين، فإنما يرتفعون بها إلى مصاف دول سبقتهم إلى التقدّم في المجالين المادي والمعنوي. ولنسع جميعًا إلى رضا الله عز وجل مصغين إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، ولنتقن أعمالنا في كل مجالات الحياة لنرتقي إلى أمة منتجة تنافس الأمم، هذا ما نرجوه، والله ولي التوفيق.