نحن نعلم أن بعضًا من إخواننا لهم مشكلات في بلادهم, ونتمنى منهم ألا ينقلوها إلى ساحات المشاعر المقدسة
ها هي الأيام المفضلة شرعًا نعيشها, واستقبلها عباد الله الصالحون بالتهيؤ لعمل يرضي الله, ويسعدهم أن يقوموا به صلاة وذكرًا وصيامًا, وبعضهم قد أسعفه الحظ بالقدوم إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج والعمرة, ويعيش تلك الأجواء الروحية العظيمة العبق بتاريخ هذه الأمة المسلمة, وكلاهما لاشك مشغول بهذه الطاعات لا يجد وقتًا يصرفه لغيرها, ومن ظن جهلًا أن هذه الساحات التي هي ساحات تعبد تتيح له الفرصة أن يطرح آرائه السياسية أو منهجية حياته, وفهمه الخاص لدينه, وأن يرفع بذلك شعارًا ويحشد لذلك من هو على شاكلته, فهذا أسلوب خاطئ ينتج عنه من المشكلات ما لا حصر له, فذاك يعني أن كل تيار له منهج مخصوص أن يقوم بمثل هذا ويصطدم بمن يخالفه الرأي, ويحدث حيئنذ ما لا تحمد عقباه, لذا فمنع مثل هذا هو ولا شك في مصلحة المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار بقصد الحج والزيارة, ويطمحون في أن يؤدوا ذلك في راحة تامة وأجواء محبة وود, لا يعكر أوقاتهم مثل هذه الترهات, وقد حفظ الله ديارنا المقدسة من أي خلل يطرأ, وتوفر فيها الأمن والأمان, وسعد أهلها بخدمة الحجيج كل عام, وهم يرجون منهم الالتزام بأحكام الدين وآدابه, والنظم المرعية في البلاد, ولا يرجون منهم ثوابًا, فهم يرون هذه الخدمة شرف لهم, ولا يأنفون من هذه الخدمة, ومن حقهم أن يطالبوا إخوانهم بأن ييسروا على أنفسهم هذه الفريضة بالتزامهم بالأنظمة وعدم مخالفتها, وهذا أمر مهم فهذا التجمع العظيم لا يماثله تجمع آخر في أي مكان من العالم, يجتمع فيه المسلمون في أيام معدودات وفي حيز من الأرض يتكدسون فيه, فإن لم يراعِ بعضهم بعضًا فإن الازدحام يولد كثيرًا من الاحتكاكات بين الناس, وقد تحدث مشكلات لهم إن لم يكونوا على قدر كبير من الحذر والمسؤولية, وفرْحنا دومًا كل عام أن يتم هذا الموسم بأمن, حتى يعود كل حاج إلى موطنه بعد أداء فريضة الحج معافى مسرورًا, ونحن نعلم أن بعضًا من إخواننا لهم مشكلات في بلادهم ونتمنى منهم ألا ينقلوها إلى ساحات المشاعر المقدسة, وفي هذا الوطن لن تجد أحدًا لا يهتم بموسم الحج, سواء أكان ممن يعملون في وظائفه أم لا, وفي هذه المنطقة التي تجري فيها مراسم الحج وتؤدى فيها شعائره يشتغل الناس بخدمة الحجيج, حتى أن عيد الأضحى المبارك, وهو العيد الأهم للمسلمين, والذي يتذكرون فيه الفداء والتضحية في سبيل الله, يمر بهم دون أن يشعروا ببهجته لانشغالهم بأعمال الحج, واستقبال الحجيج, والعيد فرحة لجميع المسلمين في كل أقطارهم, ونرجوا ألا تغيب بهجته عنهم بعد أن حالت الظروف بينهم وبين هذه البهجة أزمانًا, بسبب ما يجري في أوطانهم من أحداث لعل جلها من صنع أيديهم, ومنذ عامين حينما اندلعت الثورات في عدد من البلدان العربية, والتي لم نستطع اليوم الجزم بأنها ثورات شعبية تلقائية, بعد أن رأينا أمورًا تتكشف وتوحي بأنها مصنوعة ومُخطط لها, وها هي اليوم تكاد تتحول إلى شغب دائم بين هذه الشعوب ومن يسعى لحكمها قهرًا, ويتخذ من الوسائل للوصول إلى ذلك ولو كانت غاية في السوء والتماس العون من الأجنبي, الذي له أطماع غير خفية في أن يسيطر على البلدان العربية المحيطة بالكيان الصهيوني والذي يسعى لحمايته ويبذل في سبيل ذلك الكثير مما هو بيده من وسائل ضغط اقتصادية أو عسكرية, والمتعطشون للحرية والديمقراطية صدموا بعد وقوع هذه الثورات في بلدانهم, والتي أتاحت الفرصة لأصحاب غايات رديئة أن يصلوا إلى الحكم وأن يؤسسوا الأحزاب, وأن يوثقوا علاقاتهم بهذا الأجنبي المتربص بتلك الأوطان ليتحكم فيها كما يشاء, ولم تسلِّم الشعوب لهم, ولم تعدهم ممن يستطيعون أن ينقلوها إلى وضع تتحقق فيه لها الآمال, واليوم الشعوب تعاني من آثار هذا الربيع الذي تحول إلى كارثة قومية, غيبت الأمن والاستقرار ولم تُحقق العدل والمساواة, وزادت الأوضاع سوءًا, ولم تقض على صنفوف الفساد, بل جعلتها تستشري في زمان غابت فيه الرقابة على كل شيء, وأطلق العنان للمفسدين من كل لون, ولذا فإن الشعوب أخذت تلتفت إلى الماضي وتتمنى رجوعه, والحج في هذه الظروف كل آمالنا أن تمضي أيامه دون أن يحدث فيه ما يُعكر صفاء العمل التعبدي الذي هو الغاية منه, ونتمنى لكل شعوبنا أن يفرحوا بهذا العيد وأن تعود إليهم بهجته, هذا ما نرجو والله ولي التوفيق.