منذ حوادث ما سمي بالربيع العربي ، ومثقفو العرب في حالة اضطراب مستمرة لم يعد أحد يعرف ماذا يريدون ، كانوا عبر أدبياتهم قبل هذه الحوادث كلهم أو قل جلهم حتى لا اكون متجنياً بالتعميم عليهم، ينادون بالحريات وأهمها حرية التعبير ويهاجمون الرأي السائد او الواحد وما يتبعه في اقصاء.
فلما وقعت احداث الخريف العربي الذي تلاه الكثير من الاعاصير والزوابع والتي مرت بأقطار كثيرة كانت آمنة، فاذا هي ميادين للرعب تنتشر في أرجائها جماعات متطرفة تنشر الرعب بين سكانها وتنقل أخبار ما تفعله في قتل وتدمير وسائل الاعلام يومياً ، اصبح هؤلاء المثقفون ومنهم نشطاء في السياسة والاجتماع وآخرين من الداعين للاصلاح قوم لا يعترفون بحرية إلا لهم ، بل ان كل واحد منهم الحرية التي ينادي بها لا تعني سوى حريته الشخصية المنطلقة بلا قيود يقول ما يشاء ويتهم من يشاء بالخيانة او حتى الكفر، ويظهر عليه وهو يناقش افكار غيره، وكأنه يقول لا فكر صحيحا ولا رأي سديدا الا ما أراه.
وأصبحنا في دوامة تدير الرؤوس ، التهم يتقاذفها نخبنا المثقفة والسياسية ومن أضيف الى ساحاتنا ممن أسموا أنفسهم النشطاء يرمي بعضهم بعضاً بالخيانة فمن كان إخوانياً أو مناصراً للاخوان لا يستقبل لهم نقداً ابداً وكل منتقد لهم اينما يوجه في رأيه السهام المسمومة الى الاسلام في تماهٍ بين الجماعة والدين غير مقبول ومن يخالفهم الرأي ما يرى قولا لهم يظهر حتى اتهمهم بكل نقيصة وكأن لا تلاقي بين الجميع.
وكلما أثيرت قضية يمكن اختلاف حولها رأيت نفس النمط يعود فلم تعد الحرية حقا للجميع ولم تعد حرية التعبير مكفولة للجميع كل مدعي الدفاع عن الحرية واذا اختبرت مواقفه وأقواله أدركت أنه لا يعني الا حريته هو دون سواه ومن ينادي بحرية التعبير والراي لو اتيح له ان يكمم أفواه الخلق كلهم اذا خالفوه لفعل واليوم من يتابع الصحف العربية لم تعد له الرغبة في قراءتها لأنها جميعا ساحة للتهم من كل لون يطلقها كتبتها على بعضهم واذا دخلت الى مواقع التواصل الاجتماعي فلن ترى سوى الشتائم والسباب والبذاءات من كل لون كلهم يدعي العروبة والوطنية ويتهم غيره بالخيانة والتخلي عن العروبة بل بعضهم يحتكر الاسلام وينفيه عن الاخرين.
صورة لم أعهدها في حياتي منذ ان عرفت الحياة حتى اليوم حتى ان فكرت في ان أترك المتابعة للساحة الثقافية لما أرى فيها من التنابز بالألقاب وتبادل التهم والضحالة في التفكير وسوء الكتابة، وأن أعكف عن القراءة في مكتبتي خير من أتابع ساحة لا تعرف الا هذا اللون من السلوك المتدني راجياً ان يهدي الله اخواني الى الصواب وليعلموا ان ما يفعلون ليس سلوكا انسانياً حميداً ولعلهم يسمعون.