ليس من حق أحد مهما كانت مكانته العلمية أن يحكم بكفر فرد من المسلمين أو جماعة.. ومن يفعل يعرّض نفسه لحكم قضاء صارم
لا أحد له من العلم بالدين ولو شيئًا يسيرًا إلا ويعلم يقينًا خطر تكفير المسلمين، فكلنا ندرك خطر هذا لما يترتب عليه من قتل المرتد عن الدين حدًا عند جمهور الفقهاء، وقبل ذلك يفسخ عقد نكاحه إن كان متزوجًا، ويسلب حقه في التصرف في ماله، وبعد إنفاذ العقوبة لا يرثه أهله من المسلمين، وإنما يذهب ماله إلى خزينة الدولة، والأشد من ذلك كله الإساءة إلى سمعته ولو لم ينفذ فيه حكم الردة، مما قد يجعل عامة الناس يحتقرونه وينفضّون عنه مما يؤدي إلى حالة نفسية سيئة لوحدث ذلك، لذلك كان الحكم بالردة موكولاً للقضاء، ومنع الفقهاء منه من يتصدى للافتاء، فليس من حق أحد مهما كانت مكانته العلمية أن يحكم بكفر فرد من المسلمين أو جماعة، ومن يفعل هذا تعجلاً أو اتباعًا لهوى فهو يعرض نفسه لحكم قضاء صارم، فمن يقذف مسلمًا بالكفر ينتظره التعزير وجوبًا، لأن ضرره الواقع على المقذوف فادح، فأعراض الخلق ليست مباحة لكل من رأى رأيًا يكفر به من شاء من مخالفيه، بل يجب على كل من يكفَّر أن يرفع قضية على المكفِّر ليأخذ حقه من هذا الذي كفَّره، كما أن الجماعة أو المجموعة التي وجهت إليها مثل هذه التهمة عليها أن تسلك نفس مسلك الفرد، فإذا عوقب المكفرون رجونا أن نقضي على هذا العبث المستمر على ألسنة البعض، ينطق به كل حين وكأنه طعام لذيذ يتناوله ولا يصبر عنه، وهذا الداء إذا جاء على لسان الشيخ الذي يتلقى على يديه تلاميذ العلم في المساجد، وكل مساجدنا فيها حلقات درس في علوم دينية مختلفة، فإن الأولى أن تحمى من هذا الداء الوبيل، فإذا كان يجب أن نختار من العلماء أخيارهم وأفاضلهم ممن يرقبون الله في كل ما يقولون ويعملون، وألا نتيح لأحد التدريس أو التعليم في المساجد إلا وقد مر بمراحل يختبر فيها ويبحث عن سيرته، حتى لا يتسلل إليها المنتمون إلى جماعات ذات فكر منحرف، فنحن منذ ما حدث في مصر من سقوط حكومة الأخوان، ونحن نسمع عبارات التكفير تتردد على ألسنة الكثيرين، فكل من لا يعارض هذا السقوط يحكم بأنه شخص لا يريد الإسلام ويخالفه، وأنبرى كثير منهم إلى شتم وسب كل من لم يتابعهم على ما يقولون، ورأينا بعض هؤلاء يرددون كل عبارة رددها الإخوان في مصر ضد مناهضيهم من المصريين، بعد سامعنا من بعضهم من يماهي بين الإسلام، والأخوان، فهم الإسلام، والدين هو منهج الإخوان، فهم الذين فرح بهم المصريون، لأن حكومتهم جاءت لتخلص المصريين من رصيد من الفساد والضلال والشرك والبدع، فحكم بأن المصريين قبل حكومة الإخوان كانوا يعيشون رصيدًا من الفساد، ومعه ضلال وشرك وبدع، وقد كان الإخوان يعيشون في مصر ما يزيد على ثمانين عامًا، ولم نرهم قط تحدثوا عما زعم هذا من ضلال وشرك وبدع، ومهمتهم الأساسية ليست مثل هذا، وإنما وظيفتهم المعلنة أن يصلوا إلى الحكم، ويحققوا أستاذيتهم للعالم، التي لن تتحقق أبدًا، وزعم أن المصريين لما شموا رائحة الإسلام تعاهدوا مع اليهود والنصارى بخبث، وأسماهم المنافقين، الذين أمدوا اليهود والنصارى بالأموال، أمر عجيب فهؤلاء المصريون الذين خرجوا بأعداد كبيرة يعترضون على حكم الإخوان وعبثهم بأمن مصر وأهلها هم منافقون، ولم يكتف بهذا بل لعنهم ودعا الناس إلى لعنهم، وزعم أنهم فجرة غادرون لم يرتاحوا للتوجه لتطبيق الشريعة في مصر، وما سعى الإخوان قط لتطبيقها بل هم كأفراد لا يطبقونها في حياتهم أبدًا، ومن عاصرهم يعرف ذلك، فليس تطبيق الشريعة فقط في المظاهر، فكم من مصل صائم يحج كل عام ويعتمر هو كما جاء في الحديث مفلس لا يقيم وزنًا لعدل مع الناس، بل يخدعهم ويظلمهم، ويتجسس عليهم، وهذا يحكم على جموع المصريين بأنهم فجرة غدرة خونة يصدر عنهم التزندق والإلحاد، الذي زعم أنه لا يخفى، ولم يره غيره، لأن عينه لم تر إلا العداء لكل ما لم يكن إخوانيًا وحكم عليهم بأنهم لا يريدون الإسلام بحال، وما علمنا المصريين إلا وهم قوم متدينون، ويزعم أن أمر المصريين في معارضتهم للإخوان ليس ناتجًا عن معارضتهم لحكم الجماعة، إنما هو معارضة للإسلام، وإني لأجزم أن كل عاقل لا يستسيغ هذا الأسلوب البعيد عن خلق الإسلام وقيمه، فالمسلم إذا اختلفت مع غيره من المسلمين لا يبادر بتكفيره ثم بشتمه وسبابه، إنما المسلم يحاور ويجادل بحكمة وموعظة حسنة ذاك هو خلقه وسلوكه، وما لم نستطع معالجة هذا التكفير على هذه الصورة في مجالس العلم، فنحن أعجز عن ملاحقته في غيرها، فإذا كان هذا سلوك من يدعي العلم والدعوة إلى الله، وهو الذي يعلم الناس أحكام الدين، فكيف بمن يستمع إليه من العامة، وقد يثق به لجهله، إن خطر التكفير خطر عظيم على المجتمع المسلم في بلادنا، وهو المجتمع الذي كان آمنًا ولا يزال، فلا تسمحوا أن يغتال بهذا التكفير الذي يفرق بين المواطنين، ويزرع العداوة والبغضاء بينهم، وليعلم من انتظموا في هذه الجماعة من إخواننا هنا أنهم مهما فعلوا لن يحدث في بلادنا ما يحدثون به أنفسهم، فليكفوا عن هذا الصراخ فلا قيمة له، فنحن إخوان مسلمون مثلهم وسنظل بعدهم كذلك.. هذا ما نرجو والله ولي التوفيق.