كان في الزمانات لدى كل صحيفة محلية رقيب من الإعلام يجيز كل ما ينشر فيها، بعد أن تعرض عليه، إذا كان يتفق والسياسية الإعلامية المعتمدة، وكانت هذه الرقابة سابقة للنشر، لايزال منها باقي الرقابة على الكتب وبعض المنسوخات على الأفلام أو الأقراص، فلا تنشر حتى يجيزها الرقيب، ويحجب منها ما يراه ما لا يتسق مع نظرة إعلامية وثقافية محددة، ثم ألغيت الرقابة السابقة على النشر في الصحف خاصة، وأوكلت إلى رئيس تحرير الصحيفة والمحررين المتضامنين معه، وإن بقيت رقابة لاحقة عليها تحاسب على كل ما ينشر فيها إذا خالفت الحدود المرسومة، ولعل هذا بعض ما من أجله تتعثر بعض صحفنا، التي تضطر لهذا السبب قد لا تتابع قضايا هامة، وتفوت الفرصة عليها أن تنشر أخباراً حاسمة في قضايا عربية وإسلامية انتظاراً لوصول معلومات بشأنها، كما أن انتقال الرقابة الى رؤساء التحرير والمحررين أضعف مستوى ما ينشر في بعض الصحف، فالأفراد من هؤلاء يختلفون في نظراتهم لما يمكن نشره، وما قد يؤدي نشره إلى مساءلة، لهذا تجد التفاوت بين الصحف، فتجد صحيفة تنشر من الموضوعات مالا تقترب منه صحيفة أخرى، ففي التي تنشر هذه الموضوعات رئيس تحرير واثق بنفسه، يدرك بعناية فائقة ما ترضاه الجهات الرسمية من النقد وما ترفضه ولأن هذه الجهات لا ترفض من النقد إلا ما لا يكون نزيهاً موضوعياً، أما ذلك النقد الذي يكشف لوناً من القصور أو الخلل بأسلوب من النقد راقٍ فلا تتعرض له والآخر الذي يمنع من النشر الكثير مما يعرض عليه، لأن لديه إحجام شديد لنشر النقد مهما كان لونه، من باب أن يدرأ عن نفسه خطراً، متوهماً أن كل نقد قد يأتي بمساءلة له قد تفقده موقعه في الصحيفة، فتراه يمنع نشر كثير من الموضوعات التي تراها منشورة في كثير من الصحف الأخرى، فعودة الرقابة المسبقة إلى الصحف مرة أخرى على هذا النحو المبتكر يضعف مستوى صحفنا ومجلاتنا المحلية، حتى إذا قورنت بصحف أقل بلداننا العربية حرية تعبير تفوقت عليها، فهل نرى إعادة النظر في هذه الرقابة حتى ننهض بصحافتنا؟، هو ما أرجو والله ولي التوفيق.