بين يدي كتاب أصدرته المجلة العربية، كعادتها كل شهر، وهو المعنون (تحت الرماد) عن الأديب محمد سعيد العريان، جمع مادته ودرسها الكاتب وليد كساب، وفي الكتاب لفتة جميلة عن حزنه لفقد زوجته حيث يقول الأستاذ كساب تحت عنوان (ألم الفقد): (لقد قست الحياة كثيرًا على العريان، فزوجته التي أحبها وبذل من أجل الظفر بها كل نفيس، لم يطل المقام بها في حياة الناس كثيرًا، فغادرتها بعد نحو أربع سنوات من الزواج، تاركة خلفها طفلًا رضيعًا لم يكتب له أن يراها وبنتين صغيرتين لا تعيان شيئًا من أمور الحياة). وأثر ذلك في حياته العمر كله.
ولعلي أقول صادقًا عن تجربة: ألَّا ألم للفقد كألم فقد الزوجة المحبة الوفية، والتي عشقها الزوج واستولت على قلبه، ففي الزمان الذي تخلو فيه الحياة من المعاني النبيلة، والعواطف الكريمة بين الناس، لا يبقى للإنسان والإنسانية إلا زوجة محبة فاضلة، وزوج عاشق كريم الخلق، يبنيان عليه حياة زاخرة بمعانٍ رفيعة وعاطفة جميلة، يحنو كل منهما على صاحبه أو صاحبته، ويسعدان بها في زمن جفت أو كادت العواطف الأنبل بين البشر.
وأذكر أني حين توفيت الزوجة التي أحببت، فجعني في أيام العزاء زميل غليظ القلب، ردد كلمة كان يقولها الرجال في مجتمعنا البعيد عن الثقافة، لما رأى شدة حزني عليها: أخي النساء كثير، ولم أر أن أي رد عليه يجدي، إذا كانت الحبيبة عنده يسد مسدها أي امرأة أنَّى كانت وعلى أي صفات جُبلت، فهي في مخيلته لها مهمة.. تسد النساء إحداهن مسد الأخرى، أما الحبيبة التي يعشقها الزوج وتستولي على قلبه، ذات النبل والفضل فغير مطلوبة لمثله، أما أن يعتصر قلبه ألماً لفقد امرأة بنَتْ معه حياة كلها عواطف إنسانية راقية، فهو ما لا أظنه قد فكر فيه من قبل، وثارت الأفكار يومها في رأسي.. أفي مجتمعنا هذا الكثيرون من أمثاله، تتساوى النساء عندهم وهل بين نسائنا من يتساوى الرجال عندهن، كل واحد منهم يسد مسد الآخر، لا ميزة لواحد منهم على الآخر، فكل واحد منهم يقوم بالمهمة، ويسد مسد الآخر. إنها -أي الحال- إن كانت كذلك، فإن جفاف العواطف بلغ أقصى مداه، والعواطف النبيلة قد فقدت فيه، ولكن لا يزال عندي رجاء أن ليس هذا هو الحال، وأن في مجتمعنا لا يزال من الخير ما يرقى به فوق ذلك، وأن بيننا من يقدر للزوجة مكانتها بين النساء، وبين النساء من تقدر للزوج مكانته ولعلي لا أكون مخطئًا.