داعش وتجربة التعاطف مع القاعدة

إن الجهاد في سبيل الله لا ينطبق حتمًا على ما تفعله هذه الجماعات المتطرفة التي تجعل العنف منهجًا لها لتقنع الناس بأفكارها

حينما اقرأ اليوم العديد من الكتابات التي تنحو نحو التعاطف مع جماعة داعش الإرهابية التي شوهت الدين بأفعالها التي تنسبها إلى الإسلام زورًا إن صح ما كانت تنشره من مقاطع على اليوتيوب، وفيها من القتل والتمثيل ما حرمه ديننا قطعًا، وهي جماعة لا تقاتل إلا على الأرض الإسلامية، ولا يعنيها أعداء الأمة الآخرون، مثلها مثل القاعدة التي فتحت على المسلمين جبهات عدة، وما حققت لنفسها ولا للإسلام نصرًا.
وقد كنا نحذر من تنظيم القاعدة، وما كان يقوم به على أرضنا الإسلامية أكثر الأحيان، وما قام به خارجها في 11/12/2001م، والذي كانت تداعياته كارثية على الإسلام وأهله، خاصة بعد أن ظهر على البعض تعاطف مع هذا التنظيم.


ولم يؤبه آنذاك لهذا التحذير حتى مسنا الضر من أفعالها فالتفت إلينا بتفجيراتها فأفقنا على خطرهم الداهم على بلداننا، وعلى شبابنا الذي استطاع عن طريق المتعاطفين استدراجهم إلى أتون حروب الصراعات الدينية في كل مكان.

وأخشى اليوم أن البعض يستنسخ التجربة تلك، بالتعاطف مع داعش ظنًا منه أنها المنتصرة، وأنها تعيد إلى العراق أمنًا أصبح اليوم فيها مستباحًا، وتنصر فئة ضعيفة نالها التهميش والظلم في عهد استبداد جديد يمثله المالكي وحكومته وأعوانه.

وينسى أن داعش جماعة عنف وليست جيشًا يحقق نصرًا، وإن حدث في العراق شيء من الغلبة للطائفة المستضعفة جدًا فيه فليس بفعل داعش بل بفعل المستضعفين ذاتهم من أبناء الشعب العراقي.

فداعش تعرضت لهزيمة منكرة في مواجهة جماعة مثلها، وانسحبت من مواقعها تاركة وراءها في سوريا قتلاها وجرحاها، فليست هي حتمًا من تعيد إلى الإسلام والمسلمين مجدًا، بل إذا ضاقت بها السبل، عاد أفرادها إلى مواطنهم الأصلية، وهم لا يجيدون حرفة سوى القتل، فما إن يفرج عنهم إلا عادوا إلى سيرتهم الأولى ولكن في بلادهم، وضحاياهم من إخوانهم.

وهو ما يدعونا في هذه الأسطر أن ننبه إلى خطورة التعاطف مع داعش التي حتمًا في المستقبل ستكون خطرة جدًا على جميع بلداننا العربية والمسلمة، وعلى الحكومات الإسلامية أن تكون لديها خطة شاملة فكرية في الأساس لمنع تسرب أفكار مثل جماعة داعش إلى شبابنا، وإصدار نظم تمنع إقامة مثل هذه الجماعات سرًا أو علنًا.

فلا يجب أن تسمح البلدان الإسلامية مجددًا لمثل هذا التعاطف والإعلان عنه عبر وسائل الإعلام أو وسائل الاتصال الاجتماعي، حتى لا يغري الشباب بالالتحاق بمثل هذه الجماعات فتضيع حياتهم هباء فلا دينًا اكتسبوا ولا اتبعوا دينًا.

إن الجهاد في سبيل الله لا ينطبق حتمًا على ما تفعله هذه الجماعات المتطرفة التي تجعل العنف منهجًا لها لتقنع الناس بأفكارها، وهو يختلف عن القتل الذي يتخذ حرفة ويتساوى فيه القتلى مسلمون أو غير مسلمين ما داموا يختلفون مع هذه الجماعات، والتي أصبحت اليوم تتناسخ وتتعدد وكل يوم نكتشف منها جديدًا، حتى كدنا ألا نفرق بينها فكلها يحترف القتل لا لغاية، وإنما لأنه أصبح لا يجيد شيئًا غير هذا.

وما التحق الشباب الغض بالقاعدة في زمان فتوتها إلا لما رأى التعاطف معها يملأ الوطن ويقوم به من مختلف الطبقات أناس أعجبوا بفعل رجال القاعدة، وظنوا أنه سيحقق للإسلام عزًا، ولكن التجارب كشفت أن الأفعال إذا لم تلتزم فيها بأحكام الله وشرائعه فلن تحقق إلا ما هو أسوأ.

ولعل بعد جماعات العنف عن الفهم السوي للدين وأحكامه هو ما ورطهم في كل هذه الأفعال القبيحة، التي جعلتهم عبئًا على الإسلام وأهله.

ولعلنا اليوم نتفطن لكل هذا ونمنح خطرًا جديدًا أطل بهذه الجماعة المتطرفة المسماة داعش، فاتركوها فلا خير فيها فهل أنتم فاعلون هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: