إن اللغة هي أداة التواصل بين البشر، وهي أداة نقل الأفكار من إنسانٍ إلى آخر، ولو تصورنا أن أحدًا يحمِّل ألفاظ اللغة ما لا تتحمله ولا ما تدل عليه، فيغضب لمدح وثناء يوجه إليه، فلا أحد يشك حينئذ في أنه إن لم يكن غبيًا لا يفهم الواضحات فهو على الأقل قد فهم خطأ ما أريد أن يصل إليه، ولكن لا يحمل القائل أو الكاتب سوء فهمه أبدًا، وفي كل مجالات التواصل قد يقع سوء الفهم، ولكن أن يؤوَّل اللفظ الواضح إلى ما لا يدل عليه، فلا تأويل له سوى أن من أوّله غير خبير بلغته بل لعله يجهل دلالات ألفاظها، وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى سوء علاقات بين البشر لم يثره سوى الجهل بدلالات الألفاظ، لذلك كانت دراسة دلالات الألفاظ من أهم أبواب علوم اللغة، بل ودخلت علوم الشريعة من الباب الأوسع، ففي أصول الفقه دراسة لها، حتى لا يفهم عن الله ورسوله إلا ما أراداه، وفي القوانين الوضعية استعار القانونيون عنا هذا الباب، حتى لا يسوء تطبيق القانون، وللأسف اليوم ينتشر حتى بين المثقفين كثير من سوء الفهم لغياب العلم بدلالات الألفاظ، بل إن كثيرًا من سوء الفهم في الكتابات الرسمية بين الإدارات الحكومية يعود إلى هذا، كذا أحيانًا لاختلاف دلالات الألفاظ في اللغات تصل الترجمات بينها إلى أخطاء فادحة، أما في السياسة فالأمر أعظم خطرًا، فقد يقع بين الدول خلاف لسوء فهم دلالات ألفاظ بين لغة وأخرى، لذا تحرص الدول أن يكون لديها مترجمون على فهم عال بدلالات الألفاظ في اللغات كافة، حتى تسلم علاقاتها ببعضها من سوء فهم مرجعه فقط لسوء فهم في دلالات الألفاظ، ولعل في هيئة الأمم ومواثيقها ضبطًا لذلك أعظم، حيث يكتب النص بعدة لغات، حتى لا يفهم من دلالات ألفاظ لغة ما يحول بين فهم المراد في لغة أخرى، وفي الإعلام المعاصر إن لم يكن في أدواته المختلفة من له تمام العلم بدلالات الألفاظ فقد يثير في كثير من الأحيان اللغط حول ما ينشر لسوء فهم دلالات الألفاظ، وفي إعلامنا العربي كثير جدًا من هذا، فأنت تقرأ فيه كثيرًا مما أسيء فهمه لتصريحات تداولتها الصحف كتأويل مغلوظ لدلالات الألفاظ فيها، وكم من مقال حمل فيها لما لا تحتمله ألفاظه لنقص في فهم دلالات الألفاظ في اللغة العربية، أما إذا انتقلنا إلى الأساليب، فلعل الجهل بأنواعها ما يؤدي كثيرًا في صحفاتنا العربية للغط وخلافات كثيرة، لو أن العاملين فيها استوفوا تدريباتهم اللغوية لأعفوا أنفسهم مما يحدث في صحفهم من سوء فهم لعبارات في مقالات أو تصريحات كثيرة لسوء فهم دلالات ألفاظها، بل إني لأجزم أن كثيرًا من اللغط الذي يقع فيها سببه سوء الفهم لدلالات الألفاظ وأنواع أساليب اللغة، وإعداد العاملين في الصحف في هذا الباب من الضرورات الحتمية للارتقاء بالعمل الصحفي، كما أن على أقسام الإعلام في الجامعات العناية بعلوم اللغة، فهي الأساس لخروج عمل صحفي متكامل للناس، سليم من الأخطاء، يفهم عنه الناس ما يريد من توعية لهم في شتى جوانب الحياة، وأما إذا اعتمد الكاتب والمحرر على فهم لما يعد دون أن يعرف من اللغة دلالات ألفاظها وأساليبها فسيبقى بين الجميع عدم الفهم سائدًا، ولن يفهم عنهم متابعوهم من القراء ما يريدون إيصاله إليهم، وكم ضاعت من رسائل هامة كان يجب أن تصل إلى الناس لهذا السبب، ولعلنا حينما نقول هذا لا نريد الإساءة إلى أحد ولا انتقاد لمعين، وإنما أردنا أن نمرر نقدًا نرى أنه واجب علّ الله ينفع به، وما استقام أمر مجال رفضه أهله النقد، وإنا لنرجو لنا جميعًا أن نصل إلى مرادنا بلفظ وأسلوب لغوي صحيح لا يؤول خطأ فيفهم عنا ما نريد أن نوصله لإخواننا رغبة منا في التعاون معهم على البر، والله وحده من وراء القصد.