ذكرى الإسراء والمعراج

تتوق النفس أن تستعيد ذكرى الأحداث السعيدة حين مرور تاريخها مرة أخرى, وتذكر الأحداث الحزينة للاعتبار والصبر على قضاء الله

كلما قدم هذا الشهر الكريم رجب الفرد, الشهر المحرم, والذي غلبت شهرته بأنه قد وقع فيه هذا الحدث الجليل «الإسراء» الذي أعقبه «المعراج» إلى السماء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى وإن اختلفت الروايات عن تاريخ وقوعه, إلا أن المشهور وقوعه في هذا الشهر, وعالمنا الإسلامي كله يحتفي بهذه المناسبة في آخر هذا الشهر, فالنفس البشرية تتوق أن تستعيد ذكرى الأحداث السعيدة في حين مرور تاريخها مرة أخرى, وتذكر حتى الأحداث الحزينة في موعدها للاعتبار والصبر على قضاء الله وقدره, والفرح بمناسبات مرتبطة بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها طعم خاص, فالذين يحتفلون بمناسبات كمولد سيد الخلق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وكليلة النصف من شعبان, أو أول السنة الهجرية, أو الاحتفاء بذكرى معركة بدر أو فتح مكة فإنما يسترجعون الذكرى ويحمدون ربهم على نصر تحقق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه, فالأمر لا يزيد عن فرح بأيام الله التي ساق الله فيها إلينا خيرًا, وأعظم حدث في الإسلام هو هذه المعجزة النبوية الكبرى بعد معجزة القرآن العظيم أن أُسْرِيَ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس ثم عروجه منها إلى السموات حتى بلغ سدرة المنتهى, وفُرِضت عليه وعلى أمته الصلاة, خمس صلوات في اليوم والليلة, وهي خمس في العدد خمسون في الثواب, سعدت بها هذه الأمة الوسط, والتي جعلها الله شهداء على غيرهم من الأمم التي أرسل إليها الرسل قبلها, هذه المعجزة التي خلدها الله بسورة من القرآن العظيم مفتتحها قول الله عز وجل: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ), وتتجلى هذه المعجزة أنه أُسْرِيَ بعبد الله ورسوله سيدنا محمد بن عبدالله ثم عُرِج به, ثم عودته إلى الأرض في ليلة واحدة, مر فيها ببيت المقدس, ثم السموات السبع ثم صعد إلى الموضع الذي لم يصل إليه أحد قبله عند سدرة المنتهى ليرى من آيات الله ما حفظه وأعانه على أداء رسالته, وتجاوز كل هذه المسافات بروحه وبدنه مما دل على أن القوانين التي يستحيل معها الخروج من نطاق الكرة الأرضية إلا عبر وسائل اخترعت اليوم للوصول إلى بعض الكواكب إلا أن هذه القوانين تخضع لخالقها, وقد حمى الله رسوله في رحلته الكبرى المليئة بالمواعظ والاعتبار, وسردها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وآمنوا بما أبلغهم به, وكذلك نحن في هذا الزمان نؤمن بما آمنوا به, مادمنا قد آمنا بالله ربًا وبكتابه هاديًا ومرشدًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً, فمن آمن بالغيب يسلِّم بهذه المعجزة التي كلما مرت ذكراها تحدثنا عنها وما يؤخذ منها من العبرة, ونقرأ في الأحاديث ما جاء عنها, وما رآه سيدنا رسول الله في رحلته من مشاهد حيث رأى من الرسل ما شاء له ربه أن يراه, ورأى من ألوان العذاب للعصاة الكثير وحذّرنا منه, وفي أيام شبابي كان بعض مشايخنا يجمع الأحاديث الصحيحة في هذا الباب ويتدارسها مع طلابه, في هذا الشهر لتبقى المعجزة النبوية حيّة في الأذهان دائمًا, وهي جزء أصيل من سيرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي يجب تدارسها على مدى العام كله وفي هذه المناسبات نركز عليها ليعلمَ بها شبابنا, ويقتدوا بالنبي عليه الصلاة والسلام في حياتهم, وعلى كل حال فلا يسعني في نهاية هذا المقال إلا أن أهنئكم بهذه المناسبة التاريخية النبوية, وأرجو الله ألا تعود إلينا في العام المقبل إلا وبلادنا في أسعد حالاتها ورقيها, فهذا ما نرجوه دومًا, والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: