راجح العقل من يجتنب المراء وإن كان محقاً

ونقصد بالمراء هنا: الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقيره وإظهار مرتبته عليه، خاصة بين من ينتسبون إلى علم واحد، أو أن أحدهم عالم به والآخر يدعيه، فالمماري يلتمس الخطأ لغيره، سواء كان ذلك من حيث اللفظ أو المعنى أو من حيث الموضوع، حتى يتمكن من الطعن في كلامه وإظهاره بمظهر المخطئ في ما يقول أو يكتب أو يؤلف وقد يصل به إلى أن يتمنى إظهاره بمظهر الكاذب، ليسقطه من نظر الناس أو من يثقون به، فربنا عز وجل يقول: (أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرج الترمذي وابن ماجة عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار أولى به) وروى الإمام أحمد بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح، ويترك المراء وإن كان صادقًا) والإمام الغزالي – رحمه الله –
يقول في الإحياء: (وترك المراء بترك الإنكار والاعتراض، فكل كلام سمعته فإن كان حقًا فصدق به وإن كان باطلا كاذبا، ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه، أما إن كان باطلا في الدين فيرد العالم على من قاله ببيان خطئه ونصيحته بترك مقولته، يهديه به إلى الحق، ليس له إلا هذا فإن لم يقبل النصيحة تركه)، يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا تتعلم العلم لثلاث، ولا تتركه لثلاث، لا تتعلمه لتماري به، ولا لتباهي به ولا لترائي به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل)، ويقول سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ذروا المراء فإنه لا تفهم حكمته ولا تؤمن فتنته)، ويقول أبوالدرداء رضي الله عنه: (لا تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولا تكون بالعلم عالمًا حتى تكون به عاملًا، وكفى بك إثمًا ألا تزال مخاصمًا، وكفى بك إثما ألا تزال مماريًا، وكفى بك كذبًا ألا تزال محدثًا في غير ذات الله)، وإنما النصيحة لله وللرسول ولكتاب الله ولعامة المسلمين، وقبولها طاعة لله ورسوله وردها تكبرًا ومعصية وإثمًا، ولأن سلوك المماراة أصبح ديدن الكثير ممن ينسبون أنفسهم للعلم، فقد وجب علينا النصيحة ولعلها من إخواننا مقبولة.. وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.

About عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

Check Also

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: