في يوم الجمعة بتاريخ 6 جمادى الأولى 1435 تلقيت نبأ وفاة الصديق الوفي، ذي الخلق الرفيع، الأخ الحبيب محمد سراج عطار، الذي منذ أول لقاء لي معه شعرت أني سأصادق رجلاً، لن تمحو الأيام مهما اشتدت صداقته فلم أرَ قط مثله حسن سمت، وحسن صمت، لا يتكلم إلا إذا استدعى الكلام منه أمر هام يدعوه أن يشترك في الحديث، وإذا تحدث لن تسمع منه إلا الكلام الطيب، الذي يجذبك إليه، ويؤكد لك أنه من أولئك الرجال الذين ازدحمت حياتهم بالأعمال الخيرة، حتى لم تدع للكلام في حياتهم فسحة، هو رجل الأعمال الناجح، صاحب الثروة التي لم تغره بطغيان، ولا أمرته بكبر على الخلق، وكم أغرى المال رجالاً فأرهقهم طغيانًا وكبرًا، وأبو وليد كان الرجل المتواضع المحب لكل الناس، الوفي لأصدقائه، وهو فوق هذا كله صديق للفقراء والمساكين.
كانت إعانته لهم بمسقط رأسه أم القرى تصلهم كل عام على يد أمين من الرجال الصحالين، ينعمون بها وقد لا يعرفون من أهداهم هذه المعونات، فقد كان – رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان – يهمه أن تقع في يد الله قبل أن تقع في أيديهم، فهو ممن يُسِرون إنفاقهم في سبيل الله فيزيد الله ما لهم نماء.
ما سمعته قط يتحدث عن نفسه، ولم أعلم ما علمت من إحسانه إلا على لسان غيره من أحبته المقربين إليه، ممن كان يستشيرهم في أعماله الخيرية، ومن يعاونونه في إيصال ما ينفق إلى المستحقين ويوم أن عزم على إنشاء مشروع ضخم لأيتام أم القرى، أسر ذلك لمن يعلم أنه لا يشيع أخباره، فاختاروا الأرض التي سيبنى عليها المشروع، ورصد له 300 مليون ريال، ولم يعلم أحد ذلك، وما علم أصدقاؤه بهذا إلا عندما باشر وكلاؤه استخراج التراخيص فعلم بذلك العدد من الموظفين العموميين فأشاعوا الخبر إعجابًا بالفعل الخيري، وهذا الإنفاق المشكور ببناء قرية للأيتام تستوعب ثمانمائة من الفتيان والفتيات، فيها كل ما يحتاجه قاطنوها، ولعله سيكون المشروع الأمثل لدار أيتام في هذا البلد الطيب.
وسعى لإقامة مركز لغسيل الكلى على أرقى مستوى ليكون باسم والده عبدالسلام عطار، برًّا به وترحمًا عليه.
ويوم أن تعرفت عليه وجمعتني به المجالس رأيت رجلاً صموتًا قليل الكلام، طيب الخلق والسلوك، ولم أكن أعرف عن ثروته شيئًا ولكن منذ الأيام الأولى للقاء رأيتني انجذب إليه وصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول في الحديث الصحيح (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، فكنا خير صديقين أحب كل منهما الآخر في الله، جمعتنا محبته في الدنيا، ولعل الله يجمع بيننا في الآخرة بفضل منه ورحمة في الجنة.
فظللت منذ أن تعرفت إليه، وأنا في شوق للقائه دومًا، وشاء الله لنا معًا أن نتعرض للوعكات الصحية المتوالية، ولما انتقل إلى المستشفى زرته فوجدته في غيبوبة، فحزنت يومها حزنًا شديدًا، وعدت إلى البيت وصورته لا تفارق مخيلتي، حتى كان يوم الجمعة 7/5/1435 يوم أن أتاني خبر وفاته، فبكته عيني واطمأن قلبي فهو بإذن الله قد انتقل إلى حياة أخرى هي الحياة السرمدية الباقية وأني لأرجو أن يكون قد أحب لقاء الله فأحب لقاءه، وأنه سيرى من النعيم بإذن الله وفضله ما يجعل كل ما عرفه في حياته لا يساوي شيئًا مما سيراه حينئذ، رحم الله أخي الحبيب محمد سراج عطار وأدخله جنته وأن يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
أبا وليد عزّ والله علينا فراقك وحزنّا له، ولكنّا نرجو لك من الله ما تسعد به في آخرتك فما صنعت في دنياك سوى الخير.