في عصرنا الحديث مع وجود الرعاية الصحية للإنسان في غالب دول العالم اليوم مما جعل طبقة كبار السن تتزايد عددًا بين السكان في أكثر بلدان العالم, وفي الجنوب أي في بلداننا العربية والإسلامية تتزايد أعداد الأطفال دون الخامسة عشرة وزيادة أعداد كبار السن, مما يعرض مجتمعاتنا لتحمل أعباء كبيرة من قبل قوة العمل الممارسة له, بما يرهق كاهلها, مع ما نعرف أن جل أوطاننا العربية والمسلمة تعاني من عدم وجود البنى الأساسية, ومن ضمنها الخدمات الأساسية وعلى رأسها التعليم والصحة, مما صنع لمجتمعاتنا مشاكل عديدة, من الصعب التغلب عليها في زمن قصير, مما يعني أن يطول بنا الزمن, قبل أن نجد الحلول الحاسمة لهذه المشاكل المتزاحمة,
وكبار السن في مجتمعاتنا جلهم من المتقاعدين ممن كانوا يعملون في جهاز الدولة الإداري في شتى المجالات, وهؤلاء يعانون منذ تقاعدهم من شتى المشكلات, أدناها أن تتراجع دخولهم, مع تزايد حاجاتهم التي تحتاج إلى مزيد من الدخل, خاصة أولئك الذين لم يتزوجوا مبكرًا, وتضخمت عائلاتهم بالأطفال في زمن هم فيه يفقدون جزءًا كبيرًا من دخولهم, ومن أهم مشكلاتهم التي يواجهونها مع كبر السن وتعرضهم للأمراض ألا يجدوا الرعاية الصحية متوافرةً لأمثالهم, إلا عبر مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات العامة, ونحن نعلم ما تعانيه من سوء خدمة, والإنسان إذا كبر سنه تعرض للوهن والضعف وأقل أمراضه الشيخوخة, وهو يحتاج إلى رعاية فائقة في هذه المرحلة من حياته, فإذا لم يجدها تضاعفت أمراضه, وفيما عدا المنتسبين إلى الجيش والحرس الوطني والشرطة فبقية موظفي الدولة لا يجدون من المستشفيات ما يستقبلهم غير ما ذكرنا من المراكز والمستشفيات, وليس لهم تأمين صحي يوفر لهم الرعاية المعتبرة صحيًا وإذا أرادوا أن يدفعوا لشركات التأمين ليحصلوا على الرعاية بالغت هذه الشركات بفرض مبالغ لكبار السن لا يستطيعون دفعها لهم, فكبير السن هذا إن لم يرعه أولاده وبناته ضاع, وهو بهذا يمثل عليهم عبئًا إن طال به الزمان ملّوه, وطبعًا أنا أعلم أن في بلادنا من الأبناء من يبرون آباءهم وأمهاتهم ولو عانوا في سبيل ذلك أشد المعاناة, ولكن هذا لا يجعلنا ننسى أن في المجتمع من العاقين من بعض الأبناء, الذين يكونون عونًا للشقاء على والديهم, وفي بعض مستشفياتنا المثل لذلك, من آباء وأمهات يعانون من أمراض خطيرة يمتنع أولادهم عن العناية بهم ويتركونهم فيها, حتى تضطر المستشفيات إلى نقلهم لدور الرعاية الاجتماعية, ولعل بعضنا يعرف أن في الأربطة من الآباء والأمهات من تخلى عنهم أولادهم, رغم قدرتهم ماديًا على رعايتهم, وحينما يقدر لك أن تسافر إلى بلدان في العالم اهتمت بذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن, حيث يمهد لهم أن يقضوا حاجاتهم بأقل كلفة فيقدمون في كل الخدمات في وسائل المواصلات وكل خدمة تقدمها الدولة أو القطاع الخاص, وتمنحهم خصمًا على أجور الخدمات المقدمة لهم, فتشعر أن هؤلاء يعيشون في مجتمعهم يمنحهم رعايته, ويسعى للوفاء لكبار السن الذين خدموا أوطانهم حين شبابهم وقوة أجسادهم, فلما ضعفت منهم الأبدان ووهنت منهم القوى وجدوا من يمد اليد إليهم ويعينهم على قضاء حوائجهم, وليقضوا ما بقي من سني أعمارهم, وهم يشعرون أن مجتمعهم يفي لهم في هذه المرحلة من العمر, وكم تتأذى العين من رؤية أحد كبار السن وقد فتكت به الأمراض, يراجع أحد المستشفيات فلا يجد من يأخذ بيده حتى يحصل على العلاج المناسب لحالته, وكم تشعر النفس بالحسرة وهي تلامس حاجات كبار السن التي لا يهتم لها أحد, مع أننا في مجتمع المواعظ فيه تقرع الأسماع ليل نهار, وفي مقررات الدين في المدارس تتضمن الحث على بر الوالدين, ولكن رغم هذا نجد صورًا من عقوق الوالدين تبلغ أقصى حد من الوحشية, ثم لا نجد اهتمامًا بكبار السن عبر الأنظمة المعمول بها, تجعل لهم حقوقًا لا يمكن لأحد أن يتجاوزها, فيجد كبير السن فيها ما يحفظ له كرامته في هذه المرحلة الهامة من حياته, إننا في حاجة ماسة اليوم أن نعيد النظر في بعض أنظمتنا حتى نعطي الاهتمام لمن لا يستطيعون مواجهة الحياة وحدهم, كالأطفال الذين نرى بعضًا منهم اليوم يعنفون حتى تزهق أرواح بعضهم, والمرضى الذين يترددون على المستشفيات ولا يجدون العلاج إن لم يسأ إليهم, وهذا الفقير الذي تكثر الوعود له بأن تسد حاجته, فيحصل على الكفاية لا الكفاف, ويمضي الزمن ولا يتحقق له شيء,
والمرأة الضعيفة التي تعنف جسديًا, ولا تجد من ينصفها ممن يعنفها, وأخيرًا كبار السن خاصة منهم من عمّر حتى أصبحت حركته صعبة وعانى من ألوان من الأمراض هذا أوانها ولا يجد يدًا حانية تمسح جبينه حينما يزداد ألمه, إن مجتمعًا لا يلتفت إلى حاجة هؤلاء كلهم, تنتشر فيه ولاشك القسوة, وحاشا مجتمعنا في هذا الوطن أن تنتشر فيه القسوة على أضعف أفراده, فلندعُ إلى الاهتمام بهؤلاء كلهم خاصة منهم كبار السن, وأن نحرص جميعًا عليهم ألا يؤذوا وألا تهمل حاجاتهم الأساسية, وأن نرقى بهذا المجتمع إلى أن يصل الدرجة التي يكون فيها خير مجتمعات البشر, فهذا ما نرجو والله ولي التوفيق.