لا يمكن لشعبٍ أن يعيش محافظًا على أخلاقه وقِيَمه؛ إلا إذا كان له مشروعٌ ثابت يزرعه في أجياله الجديدة، يُعرِّفهم عليه، ويدعوهم للامتثال له، والمحافظة عليه، ورفع علمه في حياتهم باستمرار، خاصة اليوم وقد انفرط عقد الأخلاق والقِيَم في كثير من مجتمعاتنا العربية، وزاد الطين بلَّة أن وسائل التواصل الحديثة على الإنترنت أصبحت عدوًا لهذه القِيَم والأخلاق، إن لم أقُل للدين أيضًا، وواجبنا الوطني يفرض علينا أن نُعد الخطط من أجل زرع الأخلاق والقِيَم التي مصدرها الدين والمجتمع، والتي عِشنا عليها وتعلَّمنا في ظلها، واكتسبنا الفضائل منها وزرعناها في نفوس أبنائنا صغارًا وكبارًا، وهم في مراحل التعليم المختلفة، وأن نعلم أن هذه مهمتنا المثلى في الحياة، فذهاب الأخلاق والقِيَم في نفوس الصغار حتى يبلغوا سن الشباب كارثة عظمى، تحل بأي مجتمع، خاصة المجتمع العربي المسلم، الذي ظل دومًا يحافظ عليها حتى لا تضيع، وليس من المعقول إذا تعددت وسائل الثقافة والتثقُّف أن نتخلَّى عن مهمتنا، ونترك أولادنا لما تفرضه الجديدة من الوسائل عبر الإنترنت، تزرع فيهم ما تشاء من قِيَم، وإن كانت قِيَماً سالبة، واليوم ونحن نسمع أطفالنا في الشوارع والمدارس يتحدَّثون عبر لغة جديدة، ويحملون أفكارًا جديدة، بعيدة عن كل أخلاقنا وقِيَمنا، يُشعرنا ذلك أن الآباء والأمهات لم يعد لديهم من الأوقات ما يربّون فيه أبناءهم التربية الصحيحة، ولا الوقت التي يزرعون فيه القِيَم التي زُرعت في نفوسهم من قَبْل في بيوتهم وفي مدارسهم، ونسمع اليوم من أطفال يعترضون على آبائهم إذا أمروهم بخُلقٍ أو آدابٍ معينة، قائلين: إن عصرك قد مضى، وإن العالم قد تغيَّر. وكأنهم يأنّبونه على أنه أصبح مُتخلِّفًا، لأنه يأمرهم بخُلقٍ قويم قد تربَّى هو عليه، لأنهم لا يعرفون إلا ما تزرعه هذه الوسائل الحديثة في نفوسهم، والتي تبث السموم اليوم إلى أطفالنا ومراهقينا، فإذا أضيفت إليها الأفلام الهابطة التي تُعرَض في عدّة قنوات، فسنسمع الكثير والكثير إن لم نُراقبهم مراقبة شديدة، وإلا تدفَّق المزيد من القِيَم الساقطة علينا من كل صوبٍ، ولم نستطع حماية مجتمعنا من كل هذه الأخلاق الرديئة.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …