أفرزت قضية الأستاذ جمال خاشقجي -رحمه الله- مسألة؛ يجب أن يُناقشها الإعلام العالمي بحيادٍ تام، وجدية لا يعتريها هزل، فقد كتب أحد الإخوة في الإنترنت مُتحسِّراً على جودة الإعلام العالمي، التي كادت تختفي تماماً في قضية خاشقجي، وعبَّر عن ذلك بأن الإعلام الجيد قد اختفى فيها تماماً مِن قِبَل مَن هاجموا المملكة، من يوم ظهور هذه القضية وحتى اليوم، وكأن الإعلام الجيد وُجِدَ قبلها. وفكَّرت مَليًّا، هل في العالم اليوم، لا وبل في زمن مضى منذ نشأة الإعلام في الغرب وحتى اليوم إعلام جيد ؟، وإن كان موجوداً، فأين هو؟.. وما هي نماذجه، والحقيقة المُرَّة أن الإعلام لم يُؤسِّسه إلا الغرب، وفي الشرق له مقلدون للإعلام الغربي يسيرون على خُطاه، وكل المتحدث عنه من صفات لهذا الإعلام الجيد من حيادٍ وموضوعية ومصداقية، لم تتوافر في هذا الإعلام منذ نشأته، وإن وُجِدَت حيناً، فهي في نماذج قليلة لم يأبه لها أحد. ولدينا في مكتبات العالم بمختلف اللغات كُتب كثيرة تشكو بمرارة من إعلام الغرب، وتدنِّي أدائه عبر مسيرته منذ نشأته وحتى اليوم، وقضايا التزييف الإعلامي لا حصر لها في كل قضايا الإعلام الكبرى، فهذه قضية فلسطين لن تجد حرفاً واحداً كتبته صحافة الغرب عنها ينصر القضية العادلة لشعب طُرد من أرضه، ليُجلَب لها سُكَّان من جميع أقطار الأرض لم يسكنوها قط، بل وحتى أجدادهم السابقون لم يكونوا من أهلها، بل التاريخ يُثبت أن مَن طُردوا منها هم سُكَّانها عبر آلاف السنين، وهذه جنوب إفريقيا التي سكنها الرجل الأبيض، وما كان قط مِن سكانها عبر تاريخها الطويل، إلا في العصر الحديث، حين مهَّد لذلك الاستعمار، وهذه وهذه والكثير والكثير قَلَب الإعلام الغربي الحقائق، وزيّف ليكون الباطل حقاً والحق باطلاً، ولعل بقاعاً كثيرة في العالم كان يسكنها أناس صُنّفوا أنهم بدائيون، وحلَّ محلهم أُناس صنّفوا بأنهم متحضّرون، وهم أشد همجية وقسوة من إنسانها الذي كان يسكنها، وقُتل حتى فَنَى، أو لم يبقَ من أفراده إلا القليل، وقد استمرأ الإعلام الغربي تغيير الحقائق وتزييفها، وظلم الإنسان في أكثر بقاع الأرض بسبب الاستقواء الاستعماري، فكل دول الأمريكتين اليوم ليسوا هم سُكَّانها الأصليين، بل حل محلهم آلاف بل ملايين، ومُجِّد هذا القتل وسُمِّي استقلالاً وفعلاً حضارياً، وسُمِّي القتل موتاً، والاستشهاد في سبيل الأوطان حرباً همجية وإرهاباً. ولابد للعالم اليوم أن يستيقظ ولابد لمُفكِّريه والعلماء فيه في العلوم الإنسانية؛ دراسة هذه الظاهرة السلبية، وكثيرة السوء، ليُعيدوا للحقائق وهجها، ويمنعوا أن تتكرر مستقبلاً.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …