الخبر الصحفي أصبح في حياة الناس ضرورة؛ يتسابقون إلى معرفته من مصادره الموثوقة، للعلم بما يدور حولهم في المحيط الأدنى في وطنهم، وفي المحيط الأوسع عبر العالم، ويحاولون من خلال هذه المعرفة درء الأخطار عنهم، والإعلام المُتفوِّق -بلاشك- هو مَن يصنع الأخبار بإتقان، فالصحافة عند نشأتها كانت قسمين: صحافة خبر، وصحافة رأي، ثم تطوّرت لتكون إعلامًا عن كل جوانب الحياة، لكن الخبر ظل هو الأساس في عالم الصحافة، سواء أكانت صحافة ورقية، أم إلكترونية. وللخبر المصنوع إعلاميًّا شروط وقيود إن لم تتوافر فيه لم يكن خبرًا موثوقًا به:
وأوّلها: أن يكون له مصدر موثوق، وهذا يعني أيضًا أن يكون للجريدة مراسلون مؤهلون يستطيعون البحث عن المصادر، ويكونون أثناء الأحداث موجودين وقادرين على إجراء الحوارات مع الفاعلين في الحدث، وأخذ آرائهم فيه بصورة مجدية، ثم أن يكون لهم القدرة على أن يكون لهم مصادر مختلفة، وذات مصداقية عالية، ليكون لهم القدرة على جمع المعلومات منها.
ثانيهما: أن يكون لهم القدرة المناسبة على التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، بحيث يوصلون أخبار الأحداث أولاً بأول، فهذه الوسائل ضرورية في هذا العصر لنقل الأخبار، خاصة الأخبار المحلية التي غالبًا ما تعرضها كثير من صحفنا ناقصة، وتقتصر على ما يُنشر في الصحف ويتكرر، فأنت تقرأ للحدث صِيغًا كلّها نُقل بعضها عن بعض، ومصدرها غير معروف في الغالب، وكم قرأنا خبرًا في إحدى صحفنا نقلته عنها كثير من الصحف الأخرى بنفس الأسلوب وذات الصياغة، لا يُذكر في الخبر أسباب الحادث، وتنقصه كثير من المعلومات عنه، فهذا قاتل يعتدي على والده، أو والدته، أو زوجته، أو ابنه أو بنته، ولكن لا يُذكر سبب الجريمة ولا دوافعها، وفي الغالب يكتفى بما ورد في بيان الشرطة الأولي، ولا يُتابع الخبر.
ثالثها: أن يدرب المراسلون على أساليب جلب الأخبار وصياغتها، بين الحين والآخر، فهذه الأساليب تتطوّر، ويحتاج العاملون في صحفنا الاطلاع عليها، وممارستها بأسلوب جيد، وألاّ يعهد إلى متعاونين فقط لجلب الأخبار، خاصة من الإدارات الحكومية، والتي لا تسمح في الغالب بتسريب الأخبار إلاّ لبعض العاملين فيها، والذين بطبعهم لا ينقلون منها ما يظنون أنه ضار بإداراتهم أو رؤسائهم، كما أننا نلاحظ أن كثيرًا من صحفنا لا مراسلين مؤهلين لها؛ في عواصم العالم ذات التأثير في السياسة العالمية، حتى وإن وُجد لها فيها مكاتب إدارية، لا تمارس الحصول على الأخبار، ولا تمارس أخذ آراء العاملين في الحكومات، ولا رأي المحللين المشهورين في أكبر عواصم العالم، التي تدير السياسة الدولية.
فصحافتنا في أغلبها صحافة محلية، لا تخرج عن نطاق الوطن، وتعتمد في جلب أخبار العالم على وكالات الأنباء العالمية المتاح منها على مستوى العالم، ومحليًّا على وكالات الأنباء الوطنية، وقلَّ أن تجد في معظم صحفنا تحليلاً سياسيًّا أو اقتصاديًّا قام به خبير متخصص، بل إن بعض صحفنا قد تجعل موظفًا على قسم للسياسة، ولكنه دون المستوى اللائق بوسيلة إعلامية؛ لها القدرة على المنافسة في سوق الإعلام العربي، ولا أقول العالمي.
وقد ظللنا زمنًا طويلاً ونحن ننتظر التطور الأهم في معظم صحفنا، والذي وإن حدث فهو بصورة روتينية شكلية، لكنه لا يرقى بتلك الصحف إلى المرتبة التي تنافس فيها الصحافة في هذا العالم الممتلئ بالحوادث اليومية، والتي أصبح القارئ في الداخل غالبًا ما يبحث عنها في الصحف العربية الأخرى، ومَن يُجد لغة أخرى غير العربية يبحث عنها في الصحف الأجنبية، لأنه لا يجد في أغلب صحف وطنه، ما يُشبع نهمه في الاطلاع على أخبار العالم من حوله، بل لعله لا يجد فيها ما يُشبع نهمه على الاطلاع على أخبار وطنه وحوادثه بالصورة التي تجعله يكتفي بها.
وأخيرًا.. لستُ أرغب في جلد الذات، وإنما أستعرض واقعًا لعل الكثيرين يشاركونني النظرة إليه، ولا يختلفون معي فيه، وإن كان لغيرنا رأي آخر. ولكنها وجهة نظر بجانب وجهة النظر الأخرى، وهذا التنوّع مفيد، ذاك هو ما نرجوه، والله ولي التوفيق.