فن التصوير والإخراج والعرض، طورته صناعة السينما العالمية عبر تقنيات أبدع فيها بشر في الغرب، حتى استعادوا أحداثا وقعت من قبل وعرضوها على الناس حية كأنها تقع اليوم، وحتى كاد الناس يصدقون تلك الأحداث التي عرضتها أفلام عن الحرب العالمية وكأنها تجري أمام أنظارهم، وفيها طبعا بعض ما صور أثناء الحرب، ثم أضيف إليه ما أعيد تمثيله وتصرف فيه بالإبداع لغايات تخدم أغراض المتصارعين فيها، واستعادت السينما الأمريكية حرب فيتنام بسلسلة أفلام إذا شاهدها المشاهد ظن أن الحرب تجري اليوم أمام ناظريه، وطبعا استخدم فيها مقاطع مما صور فعليا أثناء الحرب، وأضيف إليه بالتمثيل الكثير لإقناع جمهور المشاهدين بعدالة هذه الحرب الموهومة وبقوة الجيوش الأمريكية وقدرتها أثناءالحروب، رغم أن هذه الجيوش خسرت الكثير من المعارك، خاصة في حرب فيتنام، التي لاتزال تؤرق الإدارات الأمريكية المتلاحقة، وأصبحنا في هذا العصر نحذر عند مشاهدة الأفلام التسجيلية الحديثة ما لم يشر صناعتها عما هو حقيقة وما هو تمثيل فبعض صناعها في الغرب يعمدون لبيان الحقيقية بأن يشيروا إلى الأجزاء التي صورت أثناء الأحداث، وتلك التي صورت تمثيلا لإتمام باقي الصورة من وجهة نظرهم الخاصة، وأما أن يصنع فيلم تسجيلي بأكمله تمثيلا، ولا صورة فيه واحدة عن الأحداث التي وقعت فعلا إلا أن كان ما نشر عنه في الأخبار في بداية الحديث ونهايته مما لا يعبر عن الحقيقة أصلا فتلك كارثة لأنه بهذه يزور الأحداث ويعرضها من وجهة نظر تخيلها هو فقط ولم تحدث، مثل هذا الفيلم الذي استحضر ما وقع في اعتصامي رابعة والنهضة، وتم تمثيل ما وقع كله ليعرض على الناس ما حدث من وجهة نظر واحد، وكان يمكن أن يمر لولا أن مخرجة العمل ومصوريه الذي كلفوا بإخراجه وصوروا مراحل عملهم كله، وظهر خلال ذلك أن التصوير تم بعيدا عن الموقعين اللذين حدث فيهما الاعتصام والفض في مصر، نشروا ذلك عبر وسائل الإعلام، وكأنهم قد أحسوا بالحرج من تزوير الأحداث كلها عن طريق تمثيلها بحسب رواية أحد طرفي النزاع، وكان لنشر ذلك دوي في وسائل الإعلام كبير، ويمكن أن يكون من نشروا ذلك أفراد دسوا وسط مجموعة التمثيل والإخراج والتصوير وغايتهم فضح ما يجري رغم أن الحدث قد صور حين وقوعه من قبل قوات الفض، وبعض رجال الإعلام الذين دعوا لحضور عملية الفض، وهذه الطريقة لتسجيل الأحداث سينمائيا بعد وقوعها بزمن طويل، لا وسيلة لها ممكنة سوى هذه الطريقة، التي لا تقدم للناس حقائق، وإنما تقدم لهم صوراً زائفة عن الحدث تمثل وجهة نظر من قاموا بالعمل من فنيين ومصورين وغيرهم ومخرجين وممثلين لتحقيق رغبة من طلب منهم إعداد هذا الفيلم تأييداً لوجهة نظره، ولم يعد الأمر مقتصرا على الأعمال الهامة، التي يحتاج الناس أن يموهوا حقيقتها بغير ما وقت، بل أصبح العابثون يعدون مقاطع على اليوتوب يزيفونها من أجل خداع الناس عن فكرة يريدون إيصالها إليهم، وهي على خلاف الواقع ولم تحدث أصلا، وأصبح تركيب الصور ثابتة ومتحركة حرفة لمن امتنهوا الكذب، بحيث أصبح الناس يعيشون زيفًا دائمًا، حيث تخفى الحقائق بما يزيِّف هؤلاء، ولا بد للأمم أن تلاحق هؤلاء المزيفين وأن تقدمهم للمحاكمة ليكونوا عبرة لغيرهم وليقضى على هذه الحرفة الجديدة، التي يؤيد بها الباطل ويحارب الحق عبر ما يزيف على الشاشات وعبر أفلام يظن الناس أن أحداثها حقيقية وهي أمور زيفها مجرمون لا يهمهم أن يعرف الناس الحقائق ويبنوا عليها أحكامهم، هذا ما نرجوه والله ولي التوفيق.